مع اشتعال الشارع في سوريا أسبوعاً بعد أسبوع، بدا واضحا أن المعالجات الامنية للنظام لن تكون قادرة على وقف المسار نحو الحرية وان القدرة الكبيرة على القتل ما عادت حلا. وفي "جمعة الاصرار" كان المشهد معبّرا لناحية انكسار جدار الخوف بشكل كامل، واستعداد المواطن الاعزل للنزول الى الشارع بصدره العاري ليواجه الرصاص الحي من اجل ان ينال حقوقه المشروعة بالحرية والكرامة. وبالامس كانت كلمة الرئيس بشار الاسد التوجيهية للحكومة الجديدة محاولة جديدة لوقف المسار الشعبي عبر تعديل حقيقي في النبرة والشكل، ولكنّ جوهر الازمة بقي نفسه ولم يقارب الاسد الابن، بحسب المعارضة، المواضيع الشائكة التي يواجهها الشعب. فالاشارة الى رفع قانون الطوارىء الاسبوع المقبل ما كانت كافية لطمأنة الناس الذين باتوا يدركون من خلال التجربة ان خروجهم من الشارع اليوم معناه المجازفة بوأد المطالب الفعلية. ومع ذلك يسجل للاسد انه تنبه الى ان تحدي الشعب بنبرة كتلك التي كانت في الخطاب الاول رهان خاسر لأنه يلهب الشارع، ويزيد الناس إصرارا على التحدي.
أيا يكن من أمر، فقد جانب الاسد الابن جملة قضايا جوهرية هي عماد الازمة وتمثل مطالب الشعب الحقيقية حسبما تعبر نخبهم المعارضة، واهمها الغاء حالة الطوارىء قبل القانون نفسه، واصلاح أجهزة المخابرات المسيطرة على الحياة العامة والخاصة في البلاد وحل كل التنظيمات شبه العسكرية الحزبية والامنية المنتشرة في البلاد، واطلاق الحريات بشكل كامل بما فيها الحريات الاعلامية، واطلاق معتقلي الرأي جميعا والكشف عن مصير المفقودين وأعدادهم بالآلاف، واعادة كل المعارضين المنفيين الى البلاد، والغاء المادة 8 من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو قائد الدولة والشعب، واطلاق حرية تشكيل الجمعيات الحقوقية والاحزاب، وحل مجلس الشعب والدعوة الى مؤتمر وطني عام ومن بعدها الى انتخابات عامة في مهلة معقولة، لكي يضطلع المجلس الجديد بصياغة دستور جديد للبلاد، وتشكيل لجان تحقيق مستقلة تماما عن الحكم للتحقيق بتهم الفساد الكبرى، واخيرا وليس آخرا محاسبة كل المتورطين في قتل مئات المواطنين وجرح الآلاف. هذه عيّنة من الاجراءات التي غابت عن خطاب الرئيس بشار الاسد، الذي استفاض في الحديث عن عمل الادارة، في حين ترى المعارضة أن المشكلة تكمن في طبيعة النظام نفسه على ما يهتف المتظاهرون في الشارع، نقيضاً لرواية المؤامرة الخارجية السخيفة. في نهاية الامر، يصعب ان يُعيد خطاب الاسد "التوجيهي" بالامس الناس الى منازلهم، وكل الامل الاّ يفيق النظام يوما على حقيقة الازمة، وقد أغلقت النافذة تماما.
|