هل ينبغي على اللبنانيين تهنئة الإستابلشمنت لتوصّله إلى اتفاق جرى طبخه في عتمة دهاليزه؟ بالطبع لا، لأن حسن النية لدى المواطن العادي تعرّض، مرة أخرى، للاستغلال التعسّفي. القانون الانتخابي، الذي خرج بسحر ساحر من القبعة السحرية، سرابٌ خادع. لا حاجة إلى انتقاد النظام النسبي الأكثري، حتى لو جرى تطويعه وتصويبه بواسطة مصالح مشبوهة؛ ولا إلى هدر الوقت في مناقشة حسنات هذا النظام الانتخابي أو ذاك، وسلبياته. النسبية المعتمدة هي "طبخة" تجمع في "المخلوطة" نفسها كل فضلات الوجبة، لا بل فضلات وجبات عدة.
يبثّ الخداع السياسي الذي وقع للتو، فيروساً قاتلاً في النفوس، فيروس التصرف وكأنه لا وجود للقوانين. عام 2008، في الدوحة، بعد حملة الاقتصاص التي شنّها "حزب الله" ضد العاصمة بيروت، جرى تصوير قانون الستين الانتخابي وكأنه حل إلهي. القانون نفسه يُشيطِنه الآن الإستابلشمنت الذي رضخ بطريقة مثيرة للشفقة أمام قوى الأمر الواقع التي وضعت يدها على البلاد.
يجب أن يعرف المواطن العادي أن إجراء الانتخابات في موعدها، وفقاً للاستحقاقات الدستورية، يأتي قبل تعديل القانون الانتخابي. إن عدم التقيد بهذه الاستحقاقات، أياً تكن الذريعة، ليس تدنيساً لحرمة القوانين وحسب إنما أيضاً فعل خيانة كبرى. مرةً أخرى، تصرّفت الطبقة السياسية اللبنانية وكأنه ليست للقوانين في ذاتها أي قيمة على الإطلاق، وكأن هذه القوانين هي انعكاسٌ للإرادة التوافقية للأفرقاء أو الوحدات التي تتنافس في إطار المعركة المتواصلة لتقاسم السلطة. بعبارة أخرى، يجري تكييف القوانين مع الإرادة السياسية بدلاً من أن تنصاع هذه الأخيرة لأحكام القوانين وتتقيّد بها. وهكذا أصبحت القوانين بمثابة أكسسوار مناسب للساسة اللبنانيين، تماماً مثل ربطة عنق أو حذاء أو قبعة. يا لها من عودة رائعة إلى الحقبات المظلمة لاعتباطية الطغاة.
تمديد ولاية برلمان 2009، للمرة الثالثة، بذريعة الاستعداد كما يجب للانتخابات التشريعة، بحسب ما ينص عليه القانون الجديد، هو ضرب نذالة. كان يجب تنظيم العملية الانتخابية، عبر تطبيق القانون المرعي الإجراء، مع مواصلة تركيب أجزاء النظام النسبي الجديد.
على الرغم من التعديلات التي أُدخِلت إلى النظام النسبي الأكثري بغية خدمة مصالح فئوية، لا بد من الإقرار بأن النظام الانتخابي الجديد يتيح، بلا شك، إمكانية تجديد هذه الطبقة السياسية بصورة جزئية بعدما استُهلِكت حتى العظم بسبب انزلاقاتها وأعرافها القبلية.
أبصر النظام النسبي الأكثري النور مع إنشاء الأحزاب السياسية التي لا وجود لها في لبنان لأن الأحزاب اللبنانية هي تجمعات إقطاعية ومذهبية. يريدون الإيحاء بأن النظام النسبي يصب في المصلحة العليا للتمثيل المسيحي. واقع الحال هو أنه يصب في مصلحة المسوخ التي تبنّت نموذج "حزب الله" غير الديموقراطي.
بما أن هذه التشكيلات ليست أحزاباً، إنها مرغَمة، في الدوائر الخمس عشرة الجديدة، على عقد اتفاقات من أجل تشكيل لائحة بإمكانها الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات. هذا هو المنطق الذي اعتمده الإستابلشمنت المتعدد الطوائف خلال الانتخابات البلدية الأخيرة التي كانت ربما بمثابة عرض أوّل عما يمكن أن يحدث في الانتخابات التشريعية المقبلة.
في مواجهة الإستابلشمنت، وفي كل واحدة من الدوائر الخمس عشرة، بات ضرورياً تعبئة قوى التقدّم من أجل تشكيل لائحة من المجتمع المدني في كل دائرة، مع التقيد بالتوزيع المذهبي للمقاعد. والنموذج الذي يمكن الاقتداء به في هذا الإطار هو ظاهرة "بيروت مدينتي" في الانتخابات البلدية، على أن تتألف كل لائحة من أشخاص أو ممثّلين عن التشكيلات السياسية يرفضون الوضع الراهن ويرغبون في إقامة دولة علمانية. لا يهم الشعار الذي سيتم اعتماده: "لبنان وطني"، "لبنان بلدي"، "لبنان مدني"، إلخ... بإمكان مثل هذه اللوائح أن تتطلع إلى إدخال عشرة إلى خمسة عشر وجهاً جديداً إلى البرلمان المقبل المنتخَب على أساس النسبية.
في هذه الحالة، سوف نشهد العام المقبل على الدموع وصرير الاسنان في أوساط الإستابلشمنت بعد أن يكون قد وقع في الحفرة التي حفرها بنفسه.
أستاذ في الجامعة اليسوعية.
ترجمة نسرين ناضر عن الفرنسية |