التاريخ: نيسان ١٥, ٢٠١١
المصدر: جريدة الحياة
الإصلاحات ما بين تركيا وسورية وفرصة الأسد الأخيرة - محمد م. الارناؤوط

في 12/3/1973 كنت طالباً على وشك التخرج من جامعة دمشق عندما جرى الاستفتاء على مشروع الدستور السوري الجديد، وقد شاركت حينها في هذا الاستفتاء في الكلية بكتابة «لا» في الورقة الخاصة. اكتشفت في اليوم التالي الذي أعلنت فيه النتيجة أنني من نسبة الـ 1 في المئة التي صوتت ضد مشروع الدستور. وقد غادرت بعدها سورية لسنوات طويلة ولم أعد إلا كزائر من حين إلى آخر لأكتشف باستمرار اتساع المسافة بين الدستور والواقع السوري، حيث أن سورية شهدت تحولات كبيرة نحو اقتصاد السوق خلال العقدين الماضيين أدت إلى واقع مجتمعي جديد بينما لايزال الدستور ينصّ في المادة (1) على أن سورية «دولة ديموقراطية شعبية اشتراكية». وفي تلك السنوات حدث التحول الديموقراطي في أوروبا الشرقية الذي حتّم على الأحزاب الاشتراكية أن تنهي احتكارها للسلطة وأن تتحوّل إلى أحزاب ديموقراطية تقبل بالتداول السلمي للسلطة بينما بقيت المادة (8) من الدستور السوري على ماكانت عليه دساتير أوروبا الشرقية حتى 1990.


خلال تلك السنوات كنت أزور سورية عبر تركيا، ما كان يسمح لي بمتابعة الأوضاع هنا وهناك. وكانت العلاقات بين الدولتين متوترة آنذاك إلى أن دخلت في مرحلة جديدة مع تولي الدكتور بشار الأسد الرئاسة في 2000 وتولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا خلال 2002، حيث أخذت تتحسن في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. لكن خلال تلك السنوات بدأت المسافة تتضح بين النموذجين السوري والتركي، حيث ركّز النموذج السوري على الإصلاحات الاقتصادية بينما ركّز النموذج التركي على الإصلاحات الديموقراطية للتخفيف من تحكم العسكر بالسياسة.


وقد استذكرتُ هذه المسافة بين النموذجين في أول آذار (مارس) 2010 حين شاركت في المؤتمر الدوري الذي عقده «منتدى الإصلاح العربي» في مكتبة الإسكندرية تحت عنوان «العالم يتغير: أين دور العرب؟». فنظراً لتعدد الجلسات اخترت آنذاك الجلسة التي كانت فيها ورقة للسيد عدنان عمران وزير الإعلام السوري السابق والأمين العام الحالي لـ «البرلمان العـــ ربي». ونظراً لعنوان المؤتمر، توقعت من السيد عمران أن يتحدث عما يحدث في الجوار (تركيا) وعما يمكن أن يحدث في سورية في ضوء ذلك. ولكن فوجئت عندما تناول الوضع في تركيا لينتهي إلى ضرورة إجراء تعديلات دستورية فيها تضمن المزيد من الإصلاحات الديموقراطية هناك!


وعلى حين أن «النصيحة السورية» لتركيا جاءت من مسؤول سوري عبر منبر دولي، فقد كشفت الصحافة التركية والعربية مؤخراً أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان كان قد وجّه مثل هذه النصيحة مباشرة إلى الرئيس الأسد خلال زيارته الأخيرة إلى سورية أواخر شباط (فبراير) الماضي، أي حين كانت الثورات الديموقراطية قد شملت تونس ومصر وليبيا واليمن. وهي النصيحة التي لم يكشف اردوغان عنها إلا في مقابلته مع جريدة «حرييت» التركية في 22 آذار (مارس) 2011 والتي نشرت مقاطع منها بعض الجرائد العربية («النهار» وغيرها في 23/3/2011)، أي بعد أن شمل الحراك الديموقراطي سورية نفسها.


وكان أردوغان قد كشف للصحافيين في طريق العودة إلى إسطنبول أن القيادة السورية تدرس حالياً النموذج التركي وأن الرئيس الأسد طلب منه برنامج حزب العدالة والتنمية، كما طلب أن يتدرب عناصر من حزب البعث في صفوف حزبه. وعلى حين أن اردوغان عاد بانطباع مفاده أن الرئيس الأسد مهتم بالإصلاح إلا أن الكشف عن ذلك الآن يُبرز من جديد بطء التحرك السوري خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يبدو الآن أبطأ تحت وقع المظاهرات المطالبة بالحرية والإصلاحات الديموقراطية وضرورة تسريعها من جديد. وقد قام بنقل هذه الرسالة إلى الرئيس الأسد قبل أيام وزير الخارجية التركي خلال زيارته إلى دمشق.


ويبدو الآن أن هذه هي الفرصة الأخيرة للرئيس الأسد لكي يقوم بإصلاحات يسبق بها الأحداث، بما في ذلك تعديل الدستور السوري ليصبح منسجما أكثر مع الواقع السوري الجديد ومعبراً أكثر عن طموح الشعب السوري الذي خرج إلى الشارع ولن يعود ليقبل بما كان عليه الوضع. فالدستور السوري الحالي وضع عندما كان الاتحاد السوفياتي وجدار برلين ويوغوسلافيا من ثوابت القرن العشرين، ولذلك لم يعد في الإمكان الانتظار طويلاً. والأمر هنا يحتاج إلى قرار سياسي فقط من الرئيس (بحسب المادة 149 من الدستور) لأن «مجلس الشعب» الذي صوّت خلال دقائق على تعديل المادة (83) من الدستور السوري في حزيران (يونيو) 2000 يمكن له الآن أن يعدل خلال ساعات عدة مواد في الدستور من بينها المادة (8) وغيرها.

* أكاديمي سوري