التاريخ: شباط ٦, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
استقالة هيئة مكتب الحزب الحاكم وشفيق اتصل بـ75% من ممثلي المعارضة
الجيش يحاول إقناع المتظاهرين بإنهاء احتجاجهم "لإنقاذ ما تبقى من مصر"

في مناورة جديدة للنظام المصري ترمي على ما يبدو الى اقناع المحتجين بجديته في تطبيق الاصلاحات الديموقراطية التي يطالبون بها، استقالت أمس هيئة مكتب الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، وعُيّن حسام بدراوي، المعروف بعلاقاته الجيدة مع المعارضة المصرية، أمينا عاما للحزب وللجنة السياسات خلفاً لصفوت الشريف وجمال مبارك، الا أن المحتجين في ميدان التحرير رفضوا التنازلات وتعهدوا المضي في حملتهم حتى رحيل الرئيس حسني مبارك الذي لا يزال متشبثاً بموقعه، مراهناً على امكان تجاوزه التظاهرات الشعبية المستمرة والبقاء في الحكم. ومع دخول الاحتجاجات الشعبية يومها الثاني عشر، برز موقف لافت للمؤسسة العسكرية، مع زيارة قائد المنطقة العسكرية المركزية للجيش المصري حسن الرويني آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير، محاولاً اقناعهم بانهاء الاحتجاج الذي أصاب الحياة الاقتصادية في العاصمة بالجمود.


وبث التلفزيون المصري أن حسام بداروي رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي في أمانة السياسات، والعضو في الامانة العامة للحزب سيتولي منصب الامين العام للحزب الوطني خلفاً لصفوت الشريف. 
 وكانت هيئة مكتب الحزب الوطني تضم الى الشريف وجمال مبارك، كلا من أمين الاعلام علي الدين هلال  وامين التنظيم  أحمد عز الذي استقال قبل بضعة ايام، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية  زكريا عزمي ووزير المجالس النيابية والشؤون الدستورية مفيد شهاب.


وكان بدراوي، وهو طبيب ورجل أعمال، عضوا في لجنة سياسات الحزب، ولكنه كان يحتفظ بعلاقات جيدة مع العديد من شخصيات المعارضة على خلفية ما كان يبديه من آراء تؤيد انفتاحاً سياسياً اكبر في البلاد، كما طالب باجراء تعديلات دستورية لتسهيل اجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية. وهو ينتمي الى عائلة ميسورة وعضو في مجلس أمناء مكتبة الاسكندرية ورئيس مجموعة مستشفيات "النيل بدراوي".


وكان جمال مبارك (47 سنة) يعتبر الى حد كبير الخليفة المحتمل لوالده الذي يتولى الحكم منذ 1981. الا ان حركة الاحتجاج الشعبي غير المسبوقة التي تشهدها مصر قضت على كل طموحاته في هذا المنصب واعادت الى الواجهة المؤسسة العسكرية التي لم تنظر يوماً برضى الى امكان تولي هذا المصرفي الذي لم ينتم اليها يوماً قيادة البلاد.
وكان الحزب أحد الاهداف الرئيسية للانتفاضة، وقد التهمت النيران التي أضرمها المحتجون  مقره قرب ميدان التحرير اثناء الاحتجاجات.
وقال بلال فتحي (22 سنة) وهو عضو في الحركة الاحتجاجية ان هذه ليست مكاسب للمتظاهرين، لكنها حيلة من  النظام، مضيفاً ان هذا لا يفي بمطالب المتظاهرين.

مبارك
من جهته، لم يبد مبارك الذي تدعوه الولايات المتحدة الى بدء نقل السلطة، أي اشارة الى امكان تنازله عن السلطة. ورأس صباحاً اجتماعا وزاريا ضم رئيس الوزراء  وعددا من الوزراء، وهو الاول  يعقده الرئيس المصري مع الوزراء منذ اقالة الحكومة السابقة الاسبوع الماضي.
وأفادت وكالة "أنباء الشرق الاوسط" ان مبارك اجتمع مع رئيس الوزراء ووزراء البترول سامح فهمي والتضامن الاجتماعي علي المصيلحي والتجارة والصناعة سميحة فوزي والمال سمير رضوان ومحافظ البنك المركزي المصري فاروق العقدة.


وعقب الاجتماع، أبلغ شفيق الصحافيين أنه اجرى اتصالات مباشرة مع نحو 75 في المئة من ممثلي الحركات المتظاهرة في الميدان.
وقال إن "الجزء من المطالب الذي تم التحفظ عنه يتعلق بتنحٍ مباشر وفوري للرئيس مبارك، فهو لا يتناسب مع الثقافة المصرية، فالرئيس فعلاً اعلن نيته التنحي في سبتمبر من العام الحالي، ونحن في حاجة اليه خلال الأشهر التسعة المقبلة".


وتطرق الى طلب المتظاهرين حل مجلسي الشعب والشورى، قائلاً: "إن كل شيء قابل للحوار والتفاهم، ونحن نحاول إقناع الشباب بأن حل المجالس النيابية سيعوق تعديل مواد الدستور، نظراً الى ضيق الفترة الزمنية المتاحة أمام الحكومة نحو تلك الخطوة"، معتبراً ان "لا مشكلة أبدا في استمرار التظاهرات لأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية". وأكد انه "من الممكن ان نفتح ميدان التحرير ونعيد فتح المحلات والمواصلات ويبقى المتظاهرون فيه".
وعزا محللون تمسك الرئيس المصري بالسلطة على رغم الضغوط الشعبية والدولية الى انه لا يزال مطمئنا الى ولاء الجيش له، لكنهم اكدوا ان موقف القوات المسلحة يمكن ان يتغير مع التبدل السريع في موازين القوى على الساحة المصرية.

فرضيات
ونشرت أمس صحيفة "النيويورك تايمس" ان النائب الجديد للرئيس المصري اللواء عمر سليمان وقادة الجيش المصري يبحثون في مختلف الفرضيات الرامية الى الحد من سلطة الرئيس وابعاده من القصر الرئاسي.
ونسبت الى مسؤولين اميركيين ومصريين ان هذه الفرضيات المختلفة لا تقضي بدعوة الرئيس الى التنحي فورا، لكنها تتيح تأليف حكومة انتقالية في رئاسة سليمان الذي يجري مفاوضات مع شخصيات من المعارضة على تعديلات للدستور المصري واصلاحات اخرى. ولفتت الى ان من بين الفرضيات المطروحة للمناقشة من اجل تأمين مخرج مشرف للرئيس، اقتراح  أن يذهب مبارك للسكن في منزله بشرم الشيخ على البحر الاحمر، او ان يذهب لتلقي العلاج كما دأب على ان يفعل كل سنة في المانيا، على ان يطول العلاج هذه المرة.

موقف الجيش
وفي موقف لافت للجيش المصري،  زار قائد المنطقة العسكرية المركزية للجيش المصري ميدان التحرير، وحاول اقناع آلاف المتظاهرين بانهاء احتجاجهم بحجة أنه أصاب الحياة الاقتصادية في العاصمة بالجمود.
وقال عبر مكبر للصوت وهو يقف على منصة استخدمها الناشطون لالقاء كلمات خلال الاسبوع الماضي، ان لهم الحق في التعبير عن نفسهم لكنه ناشدهم ان ينقذوا "ما تبقى من مصر".
الا أن الحشد رد بهتافات تطالب بتنحي مبارك، مما دفع رويني الى النزول عن المنصة، قائلا انه لن يتحدث وسط مثل هذه الصرخات.
وقبل ذلك، حركت قوات الجيش بعض المتظاهرين لافساح الطريق امام عودة حركة المرور اليوم، إذ من  المقرر ان تعاود المصارف فتح ابوابها في بداية اسبوع العمل. ويحتشد في الميدان الالاف منذ أيام حاملين اللافتات والأعلام للتنديد بحكم مبارك المستمر منذ 30 سنة.


وقال الرويني اثناء جولة تفقدية في ميدان التحرير للتحدث إلى المحتجين ان ثمة ضرورة لافساح الطريق أمام حركة المرور في ميدان التحرير. وأكد ان المعتصمين يستطيعون البقاء، ولكن ليس على الطريق. وأبلغ الصحافيين انهم يريدون عودة الناس إلى اعمالهم والحصول على رواتبهم وان تعود الحياة إلى طبيعتها.
ونشر الجيش تعزيزات لحماية المنطقة، واقام المتظاهرون نقاط تفتيش لهم عند جميع نقاط الدخول. وتولى متظاهرون تنبيه آخرين قرب المتحف لتعزيز الحواجز التي أقاموها، خوفا من ان يقوم الجيش بإبعادهم.


 وصباحاً، حاولت دبابات الجيش الخروج من ميدان التحرير للمساعدة في ازاحة سيارات استخدمها المتظاهرون متاريس في الايام الاخيرة، غير ان الشباب منعوا الجنود من ذلك، مؤكدين انهم يخشون اعتداءات دامية عليهم من انصار مبارك كتلك التي وقعت الاربعاء وأدى الى سقوط 11 قتيلا.
كذلك، وردت تقارير مفادها أن الجيش منع للمرة الاولى الداخلين الى ميدان التحرير من نقل مواد غذائية الى المحتجين الذين يعتصمون هناك منذ أيام.
 وتباينت ردود فعل المحتجين الذين كانت ربطتهم بالجيش علاقات ودية خلال 12 يوماً من موقف الجيش.
وقال طالب يدعى عمر الريس (25 سنة): "النظام يلعب بورقة الاقتصاد. يقولون ان الناس تخسر أموالاً ولم يحصلوا على رواتبهم. نعم هناك خسائر، ولكن هذا هو الثمن الذي يجب ان ندفعه مقابل ثلاثة عقود من السلبية".
وقال مدير مالي يدعى مصطفى عطية (29 سنة): "حسني مبارك والحكومة يهونون حاجات الامة... الغباء السياسي الذي يمارسه النظام يزيد من ضغينة الناس".

محاولة اغتيال
الى ذلك، بثت قناة "فوكس نيوز" البريطانية ان نائب الرئيس المصري تعرض قبل أيام لمحاولة اغتيال، قتل فيها اثنان من حراسه.
وقال مسؤول كبير في إدارة الرئيس باراك أوباما إن الهجوم وقع بعد فترة وجيزة من تعيين سليمان، في 29 كانون الثاني، ولفت الى أنه كان هجوماً منظماً على موكب سليمان.
ولكن الناطق باسم البيت الابيض روبرت غيبس امتنع عن الرد على سؤال عن هذه المعلومات.
واعتبرت "فوكس نيوز" أن محاولة اغتيال سليمان تعتبر منعطفاً خطيراً في الانتفاضة ضد حكم الرئيس حسني مبارك، الذي عينه أخيراً نائباً له في محاولة لوقف الاضطرابات وربما لتحديد خلف له.

رد على خامنئي
في غضون ذلك، رد وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط  بعنف على تصريحات المرشد الاعلى للثورة الاسلامية في ايران آية الله علي خامنئي الذي أشاد بما وصفه بأنه "حركة تحرير إسلامية" في العالم العربي، ودعا شعبي مصر وتونس الى الالتفاف حول دينهم والتصدي للغرب.
وقال أبو الغيط إن "كلام خامنئي يستحق الإدانة لأنه تخطى كل الخطوط الحمر في تناول الشأن المصري". واعتبر أن ما قاله يمثل إساءة إلى القيادة والقوات المسلحة المصرية، مضيفاً أن "المرشد الإيراني تناسى في أحاديثه ما عاشته بلاده من أزمة كبرى فى شرعية الحكم منذ أقل من عامين والممارسات الاستبدادية اليومية البشعة ضد معارضي النظام والتنكيل والتعذيب الهائل في السجون". وطالبه بأن "يلتفت الى شؤون بلده وشعبه الذي يتطلع بتشوق إلى الحرية من النظام الجاثم على صدره على مدى أكثر من ثلاثين سنة بدل محاولة إلهاء الشعب الإيراني الواعي بالتخفي وراء ما تشهده مصر من حراك سياسي وشعبي كبير في اتجاه إصلاحات سياسية كبرى".
وص ف، رويترز، أب، أش أ، ي ب أ