التاريخ: نيسان ١٢, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
من يجرؤ على حكم مصر؟ - يوسف معوض

تعود أحداث مصر الى اسباب اقتصادية أولاً. والتكاثر السكاني يقضي على كل امكانات النهوض الاقتصادي. وستبقى مصر تنتقل من أزمة الى أخرى الى أن تضبط الوضع سلطة قامعة مثل...الجيش.

«بنتك تلبس على الموضة وإحنا السبعة في أوضا»! هي اللازمة التي ردّدها المتظاهرون في شوارع الاسكندرية ضد أنور السادات. كان ذلك في 18 يناير - كانون الثاني 1977 عندما قرّرت الدولة وقف دعم المواد الأولية. فارتفعت أسعار الخبز والسكر والملح والشاي ثلاثين بالمئة. ولا ندري كيف رضيت الحكومة باتخاذ هذا القرار الأخرق!  فكانت ثورة «العيش».
من أين لنا أن نشبع؟


تعود أحداث مصر التي نشهد إلى أسباب اقتصادية ومعيشية. مجدداً، هي في جوهرها ثورة «العيش». لم تنطلق الأحداث تحت عنوان المزيد من الحريات أو المشاركة السياسية. وسيناريو انتفاضة الجوع  يكرّر نفسه في كل بلد عربي تقريباً، حيث الجماهير راحت تنفض الغبار عنها وقد سقطت هيبة السلطات، ولم يعد الخوف المزمن يتحكم بالنفوس. الشعب يقول: «بدنا ناكل، جوعانين». تأثرت البلاد العربية مثل غيرها بالعولمة وبأسعار المواد الغذائية المتطايرة في النصف الثاني من سنة 2010 حسب تقرير منظمة التغذية الدولية.
ليست دورات محو الامية السياسية بل انها الحرائق في روسيا والامطار الغزيرة في كندا وانه الطقس الجاف في الارجنتين! هذه كلها مجتمعة أدت في ما أدت إلى «كر السبحة» عند ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمعدل 32%.عندما انتحر محمد بو عزيزي في تونس، أطلقت شرارة الانتفاضات.


هوذا لب الموضوع حتى ولو استرسل البعض بتعداد المطالب الديموقراطية أو ادانة الفساد أو الدعوة لانتخابات حرة نزيهة. يتساءل بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة في مقابلة تلفزيونية: كيف يمكننا الاستمرار على هذه الحال نحن المصريين وقد يبلغ عددنا المئة مليون بعد عقدين، ونحن لا نعيش سوى على خمسة بالمئة من أرضنا، فالباقي صحراء قاحلة. صرخته هذه تنذر بالكارثة. وما يزيد في خطورتها ان 50% من المصريين الذين يبلغ عددهم 85 مليون اليوم، هم دون الـ 15 من العمر، أي انهم يشكلون قوة عمل هائلة لا تستخدم.
والأدهى ان 90% من العاطلين عن العمل هم دون الثلاثين. كيف المفر من مواجهة الواقع الاجتماعي الكارثي؟ فلو استرجعت كل الأموال التي اختلست من أهل النظام البائد، لما غطت العجز، ولما أمنت الرغيف إلا لفترة وجيزة.


من يجرؤ؟
يقضي التكاثر السكاني أو بالأحرى «التآكل» السكاني على كل إمكانات النهوض الاقتصادي! هل الحل يكمن باتخاذ قرارات جذرية مثل تلك التي لجأت إليها الصين، عندما حددت النسل؟ فكيف بفرض تنظيم صارم للأسرة على أبناء مصر؟ لا الشرع يسمح بذلك ولا الأعراف الاجتماعية. فالبلاد مرشحة أن تنتقل من أزمة إلى أخرى ولن يضبط الوضع إلا سلطة قامعة... مثل الجيش الذي يؤثر التهدئة حتى الآن!


من المؤسف ان يلعب المثقفون وناشطو حقوق الانسان والمنفيّون من أهل الفكر دوراً ملتبساً. يطلون علينا مطالبين بإلغاء حالة الطوارئ وبإطلاق الحريات العامة وبمكافحة الفساد، وكأن هذه المطالب  ستحلّ المشاكل الغذائية المطروحة.
وهذا ما قد يفسر تلكؤ الاخوان المسلمين، عن الخوض في معركة الاستيلاء على الحكم. والسبب نفسه قد يحول دون تدخل حاسم للقوات المسلحة. فالجيش، وهو ضابط الايقاع على الأرض، قد يكتفي بالحكم ولو لفترة من خلال بعض المناورات التي تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف.


هل يكتب على الدكتور البرادعي أن يكون عزيز مصر، فتنحل العقد والمشاكل لأنه حائز على جائزة نوبل للسلام؟ فمن أين يؤمن توزيع الطحين الذي هو في أساس السلم الأهلي؟
كانوا سبعة في «أوضة» في 1977 أيام السادات، أما اليوم فصاروا عشرة في «أوضة». وهل في اليد حيلة؟ أبإطلاق شعارات المجتمع المدني من جندرة و تمكين وكل ما هو مرضٍ سياسياً politically correct؟ وهل بوسع مصر، التي تستورد 80% من استهلاكها الغذائي، أن تلبّي حاجات أكثر من مليون رضيع جديد في كل سنة؟

أرقام الجيش
منذ انقلاب 1952 والجيش المصري مصدر السلطة في أرض الكنانة، فهو ملازم للحكم كما المجاعة ملازمة للفقر ومتربصة بالبائسين منذ أيام موسى وفرعون والسنين العجاف. قوامه يزيد عن 450.000 عنصر، حوالى 350.000 منهم يخدمون في القوات البرية. بالمقارنة كان هذا الجيش أضخم عدداً قبل توقيع السلم مع إسرائيل، عندها بلغ عديده حوالى 750.000 جندي! هذا الجيش اليوم له مؤسساته الخاصة التي تدر عليه الدخل، فتعطيه نوعاً من الاستقلال الذاتي. والرقم الأخطر هو المساعدة السنوية التي تحصل عليها القوات المسلحة من الولايات المتحدة والتي تبلغ حوالي المليار ونصف المليار دولار.


أين النواطير؟
كل حكام مصر منذ دولة المماليك كانوا ينتمون إلى طبقة الجند. وشرعية المماليك كانت شرعية انقلابية. والفساد في مصر كما في سائر البلاد العربية اعتق من الملح. والصراع لن يستمر في ساحة التحرير، والعدوى لا محال  ستنتقل إلى صميم الجيش الذي يشكّل بيضة القبّان. فمن سيتمكن من الالة العسكرية وجبروتها؟ أهم الضباط الشباب أم المسنون المترفون؟ أهم الضباط الميالون إلى الغرب أم المنتمون إلى تنظيم الاخوان المسلمين؟

(محام وأستاذ جامعي)