التاريخ: كانون ثاني ١٠, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
السياسة الأميركية التقليدية وفشل الديبلوماسية العربية - أديب فرحة
لم تكن مستغربة ردة فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 والذي دان استمرار انتشار المستوطنات اليهودية على أراضٍ فلسطينية محتلة، وإن كانت مواقفه اللاحقة بعد الإستنكار الأولي اللفظي والقاسي، حيث جمّد العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية مع الدول التي كانت قد صوّتت إلى جانب القرار بما فيها المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين واليابن وإسبانيا، مثيرة للدهشة ومُعبِّرةً عن تخبّط نتج عن وقع القرار على إسرائيل، إذ ان تلك المواقف تؤدي الى عكس "مصلحة بلاده" والى دفع الكيان الصهيوني إلى زاوية تضعه في عزلة عن دُوَل لطالما وقفت إلى جانب "بلاده" أو غضّت الطرف عن تجاوزاتها في السابق وعن سياستي إرهاب الدولة والإستيطان الإسرائيليتين.

ولكن المستغرب هو أولا: الدفاع المستميت الذي تولاّه وزير الخارجية جون كيري ردا على انتفاضة رئيس الوزراء الإسرائيلي على الموقف الأميركي واتهام الأخير لإدارة الرئيس الأميركي الذي شارفت ولايته على الغروب بأنه تخلى عن إسرائيل، مُفصِّلا الموقف الأميركي غير المسبوق حيث انتقد وبقسوة سياسة الإستيطان الإسرائيلية مشدِّدا، عن حق، على أنها تعيق، بل تُفرمِل، عملية السلام بين اليهود والعرب وأنها تطيح حَل الدولتين. ثانياً، إفراد محطات التلفزة الإخبارية الأميركية ساعات وساعات على مدى الأيام التي تلت القرار لتغطية ردة الفعل الإسرائيلية على القرار ولمحاورة مجموعة واسعة من غلاة المحللين السياسيين الأميركيين تصَهْيُناً والناطق الرسمي باسم نتنياهو، وكأن ما حصل أمر يمس الولايات المتحدة الأميركية ذاتها وليس إسرائيل. وقد أجمع هؤلاء، ما عدا ممثل السلطة الفلسطينية طبعاً، على أن القرار مجحف بإسرائيل وأنه "يُعرقل عملية السلام"، في حين أن العكس هو الصحيح إذ يشكل الإستيطان حجر عثرة قد يستحيل تجاوزه في أي مفاوضات مقبلة إذا كان في السلطة الفلسطينية رجال لم تتم إزالتهم. ولعل الأكثر استهجانا هو أن الإعلاميين الذين حاوروا المحللين وأعضاء الكونغرس لم يتخذوا موقع المحاورين المحايدين بل كانوا يتبنون مسبقا موقفا معادٍيا للقرار ويؤججون محاوريهم لاتخاذ موقف مماثل.

المؤسف في التغطية الإعلامية المنحازة وفي مواقف أعضاء الكونغرس المنحازة هي أيضا حول التصويت الأميركي في مجلس الأمن هو دلالاته على قوة اللوبي الإسرائيلي في مقابل الغياب التام لمثيل عربي. وكعادتنا في التخبي خلف أصابعنا، نجد الحكام العرب يكتفون بالتنديد بسطوة اللوبي الصهيوني على القرار الأميركي وبالإنحياز الرسمي الأميركي عموما مناصرةً لإسرائيل، فلا يكلّفون أنفسهم ورساميلهم عناء القيام باستنباط لوبي عربي قوي ومقاوم وفاعل، في حين يحصر سفراؤهم عملهم في دائرة واشنطن الضيقة والعشاوات الفاخرة فيها بدل توعية الشعب الأميركي عموما على أحقية قضايانا.

يكاد يكون الحكام العرب يحسبون أنه يكفي في التعامل مع أميركا والتأثير على مواقفها الإجتماع بين الحين والآخر مع حكامها أو مع أعضاء الكونغرس في واشنطن عند الأزمات وكأنهم في حوار بين مشيخيتين عربيتين على خلاف حيث تنحل الخلافات من طريق زيارة شيخ الى نظيره محمّلاً بالهدايا النفيسة وتقبيله على "الخشم" (التقبيل على الأنف في عادات الإعراب) وتناول العشاء معه.

لا يا سادة! أميركا أبعد من واشنطن وهي ليست دويلةً يحكمها فرد، بل هي بلاد شاسعة وديموقراطية. فللتأثير على موقف عضوٍ في الكونغرس يكون علينا أولاً إقناع قاعدته الشعبية والتي تأتي به الى السلطة أولاً، فيصبح بعدها إقناعه من باب تحصيل الحاصل. فماذا يعمل سفراؤنا ودبلوماسيونا لتثقيف المنتخِب الأميركي ولتوعيته؟ هل يقومون بمحاضرات وندوات في المدن والقرى الأميركية "الما بعد بعد" واشنطن ليبيّنوا للشعب الأميركي الطيب والبريء أحقية قضايانا القومية، وهل يُحسنون الإفادة من المثقفين العرب عامة ومن المسيحيين العرب خاصة لنقض المفهوم الخاطئ لعهد الرب لإبرهيم ولإسحق والذي يتبنّاه ويُبشّر به خطأً الإنجيليون المُتصهينون والداعون الى نصرة إسرائيل تحقيقا لفهمهم للإنجيل حيث يدعون للعمل لاجتماع قبائل إسرائيل الإثنتي عشرة مجددا في فلسطين ليتم المجيء الثاني للمسيح؟ وهل يذكّرونهم بأن المسيح، إبن الله في الإيمان المسيحي، قال، "هذا هو جسدي الذي للعهد الجديد" (يوحنا 3:10)، وبما ورد على لسان القديس يوحنا (1:11) عن المسيح، "إلى خاصّته (اليهود) جاء ولكن خاصّته لم تقْبَله. وأما الذين قبِلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا (هم) أولاد الله "، أي أنهم باتوا هم خاصّته ولَهُم "العهد" الجديد وباتوا هم إسرائيل الجديدة بمعنى ِإسرا (شعب) أيل (الله)؟ وبمعنى آخر، هل يساعدونهم على أن يفهموا بأنهم إن كانوا فعلا من أتباع الله حسَب الإيمان المسيحي، فإن العهد القديم لا يعنيهم في هذا السياق، وأن تأييدهم الأعمى لإسرائيل ليس أبدا مشيئة الرب الذي يعبدون؟

أكتفي بهذا التحسّر على سوء تعامل العرب وممثليهم في أميركا مع اللعبة السياسية الأميركية وجهلهم أو تجاهلهم لكيفية التعامل معها والذين يكتفون بتغطية تقصيرهم بخلع اللوم على اللوبي الإسرائيلي في حين أن اللوم علينا نحن معشر العرب، مُردداً مع الإمام الشافعي "نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيبٌ سوانا"، على أمل أن تُقلِع الحكومات العربية عن سياسة تقبيل الخشم في تعاملها مع الولايات المتحدة الأميركية والنفاذ إلى توعية الشعب الأميركي، والذي هو من يولّي حكومته السلطة، من طريق التواصل معه في ما بعد بعد واشنطن، وأن تدرك بأنه طالما أن الناخبين الأميركيين بغالبيتهم مقتنعون على ضلال بأن دعم إسرائيل على الصح والخطأ هو تحقيق لمشيئة الله وطالما أن الناخبين الأميركيين لا يَعون أن الله بعد الفِداء لم يَعُد يمّيز بين الناس إلا بمقدار إيمانهم به وليس بمقدار تحقيقهم لما يُزيّن لهم على أنه عهد الله، فلا أمل لنا بإحقاق حقوقنا و"لا حياةَ لمن تنادي".