التاريخ: شباط ٥, ٢٠١١
المصدر: جريدة الحياة
ابتكارات تطوعية وأخرى تجارية على هامش الثورة

السبت, 05 فبراير 2011
القاهرة - أمينة خيري


أعمال تطوعية وأخرى بمقابل مادي وثالثة ذات طابع تجاري نشأت كلها على هامش «ثورة 25 يناير»، فبعد مرور الأيام الأولى التي تلت اندلاع الثورة الشبابية واعتياد المواطنين النسبي على أجواء التوتر والقلق، عاد كثيرون إلى طبيعة المصريين الابتكارية المعروفة.
اللجان الشعبية التي تكونت في كل شارع وحارة في مختلف المدن، لا سيما تلك التي شهدت التظاهرات، لم تكن بتنظيم مسبق أو تخطيط دقيق، لكنها نبعت من ضمير شعبي وطني بضرورة الحفاظ الجماعي على الأرواح والممتلكات في ظل غياب الشرطة المصحوب بانعدام شبه كلي للثقة في أفرادها.


استخدم أعضاء اللجان المكونون من رجال وشباب وأطفال كل شارع كل ما وقعت عليه أياديهم لإقامة المتاريس ونقاط التفتيش البدائية. أحجار ضخمة متبقية من بناء عمارة هنا، أوعية الزهور والنباتات التي كانت توضع في مداخل العمارت، برادات وغسالات قديمة أحيلت إلى التقاعد، أرائك متهالكة ومقاعد فقدت معظم أرجلها، ففي مثل هذه الأحوال كل شيء له استخدام.


جمال محمد (52 عاماً) قائد إحدى هذه اللجان في أحد شوارع مصر الجديدة الجانبية تم اختياره بالإجماع من قبل سكان الشارع ليقود اللجنة. يتمركز في منتصف الشارع حيث يجلس على أريكة متهالكة وحوله عدد من حكماء الشارع من الرجال فوق الأربعين. يصدرون التوجيهات من «غرفة العمليات المركزية» لشباب الحي المقسمين عند نقاط التفتيش من خلال صفارات يطلقونها بأفواههم كل منها ذو معنى. صفارة واحدة تعني «دعه يمر» صفارتان تعنيان «فتش السيارة» ثلاث تعني «اطلب تحقيق الشخصية» أربعة تعني خطورة قصوى «أوقفه».
هذه اللجان التي تحولت بمرور الأيام إلى شبكات التقاء اجتماعي، تتخللها مباريات كرة قدم تقام في عرض الشارع، وأكواب شاي وبسكويت توزع على الجميع، دفعت الجميع إلى التعارف بعدما كان سكان الشارع الواحد، وأحياناً العمارة الواحدة لا يعرفون بعضهم بعضاً تحت وطأة اللهاث اليومي بين العمل ومتطلبات الأسرة.


متطلبات الأسرة هي أيضاً التي تدفع بملايين المصريين إلى الشوارع في الصباح الباكر بعد انتهاء ساعات الحظر الليلي في محاولة لتوفيرها، فمنذ إعلان وزارتي المالية والتضامن الاجتماعي طرح المعاشات وبعض رواتب العاملين في جهات حكومية في ماكينات الصرف الآلي في البنوك الحكومية، توافد الكثيرون للحصول على أموالهم خوفاً من تفاقم الأوضاع وتعرض هذه الأموال الضئيلة، لكن الحيوية، إلى الضياع.


ولأن الغالبية العظمى من أولئك هي من المسنين والسيدات، فقد وجد كلهم من يتبرع بالقيام بإجراءات استخدام الماكينة التي ما زالت تعد معضلة لكثيرين من كبار السن. ويقول منصور السيد أحد أولئك المتطوعين الذين وقفوا عند ماكينة تابعة لبنك القاهرة في منطقة روكسي في مصر الجديدة: «صرفت معاش والدي قبل ساعات، لكني وجدت الكثيرين يستغرقهم الوقت ليستخدموا الماكينة، فقررت مساعدتهم. ورغم تخوف البعض في البداية من الإفصاح بأرقامهم السرية، لكن من غير المعقول أن أحفظ مئات الأرقام. أنا فاعل خير».
فاعلو الخير كثيرون هذه الأيام في شوارع القاهرة، فقد انتشرت كذلك ظاهرة عرض أصحاب السيارات الخاصة اصطحاب المارة المنتظرين لأي وسيلة مواصلات تقلهم إلى بيوتهم، رغم التخوف من أعمال البلطجة والبلطجية.


هذا التخوف الذي ربما دفع البعض إلى المبالغة في الحذر، أدى إلى اشتباك دامٍ قبل ساعات بين مجموعة من الشباب المتطوعين لحماية مدخل أحد الشوارع، إذ فوجئوا بشخص على دراجة نارية يسير بسرعة كبيرة يدخل الشارع من دون أن يتوقف، وما هي إلا لحظات حتى أطلقوا صفاراتهم الإنذارية لزملائهم. وبعد مواجهة عنيفة، اتضح أن الشاب ما هو إلا بائع متجول قرر أن يبيع ما تبقى لديه من أعلام مصر من آخر مباراة كرة قدم دولية.


ظاهرة بيع الأعلام في العديد من شوارع القاهرة لاقت إقبالاً كبيراً، إذ يحرص كثيرون هذه الأيام على النزول إلى الشوراع وهم يرفعون الأعلام، أو يعلقونها في سياراتهم، في إشارة واضحة إلى غلبة الحس الوطني.


حس وطني من نوع آخر دفع شباباً وأطفالاً إلى التفكير في عرض خدماتهم على جيرانهم من كبار السن، لا سيما من يقيمون وحدهم، لشراء حاجاتهم من الأسواق. وهناك من استغلوا الفرصة من حراس العقارات (البوابين) فعرضوا خدمات مماثلة لكن بمقابل مادي، فطوابير الخبز والازدحام الهائل الذي تشهده محلات السوبر ماركت والخضروات تحتاج إلى أشخاص أصحاء لتحمل مشاقها.
وفي حال تعرض الأصحاء لوعكات صحية في هذه الأيام العصيبة، وزع أطباء أرقام هواتفهم على سكان الشوارع التي يقطنون فيها لاستدعائهم في حال حدوث طارئ طبي، لا سيما خلال ساعات حظر التجوال.


وبينما تنتظر جموع المصريين بفارغ الصبر انتهاء العمل بحظر التجوال وعودة الأمور إلى طبيعتها، لا يضيعون الوقت ويخرجون بالكثير من الخطط والأعمال التطوعية والتجارية التي لا يجمع بينها سوى حس ابتكاري فطري مصري أصيل.