مع استعداد الانتفاضة المصرية لـ"جمعة الرحيل" اليوم، حاول النظام المصري امس امتصاص غضب الشارع، غداة المواجهات الدامية في ميدان التحرير والتي استمرت طوال ليل الاربعاء - الخميس واوقعت سبعة قتلى، مع تقديم رئيس الوزراء الجديد الفريق أحمد شفيق اعتذاراً عن أحداث الاربعاء، واعلان النائب العام المصري عبد المجيد محمود اجراءات في حق مسؤولين أقيلوا أخيراً، وصولاً الى تأكيد نائب الرئيس اللواء عمر سليمان أن لا الرئيس المصري حسني مبارك ولا نجله جمال سيترشحان للرئاسة ودعوته جماعة "الاخوان المسلمين"، العدو اللدود للنظام المصري، الى المشاركة في الحوار. وفي المقابل، تمسك النظام ببقاء مبارك في منصبه على رغم الضغط الشعبي الداخلي المتصاعد لرحيله والنداءات الدولية المتزايدة للاسراع في نقل السلطة، واصفا مطالبة الشباب المحتجين في ميدان التحرير برحيله بأنها "دعوة للفوضى".
وعلى الارض، لم يبد المحتجون تجاوباً مع اي من المبادرات التي أطلقها اركان النظام، وتمسكت المعارضة بمطلبها رحيل مبارك قبل بدء أي حوار لانهاء الازمة. واستمرت المواجهات وعمليات الكر والفر بين معارضي مبارك ومؤيديه في ميدان التحرير وساحات أخرى في القاهرة خصوصاً، وتبادل الجانبان التراشق بالحجار لليوم الثاني تواليا، وانتشرت الفوضى في احياء أخرى في العاصمة المصرية وسجلت أعمال نهب وتعديات على صحافيين وأجانب وناشطين في مجال حقوق الانسان. وعصراً، قتل اجنبي في ميدان مجاور لميدان التحرير لم تعرف جنسيته بعد، حين ضربه مجهولون حتى الموت وهم يصرخون "جاسوس جاسوس".
سليمان وفي ختام يوم شهد اعلان أكثر من اجراء هدفه تنفيس الاحتقان، أطل اللواء عمر سليمان مساء على شاشة التلفزيون المصري ليدعو الى انهاء التظاهرات، معتبراً ان مطالب الشباب الذين اطلقوا الانتفاضة المصرية قد لبيت، الا أنه أصر في المقابل على أن المطالبة برحيل الرئيس فوراً هي "دعوة للفوضى".
وتمسك بفرض "قيود على الترشح للرئاسة" كي "يطمئن الجميع الى القائد" الذي سيتولى الحكم. وسئل عن طبيعة القيود الواجب فرضها على الترشيح للرئاسة، فأجاب ان "اسم الشخص ليس مهماً" وانما لا بد من وضع "مواصفات". وقال: "لا بد ان تكون هناك شروط وقيود حتى نصل الى حل توافقي ويشعر كل الناس بالاطمئنان الى القائد" والى "من سيقود مصر خلال السنوات الست المقبلة". ورأى انه لا يمكن تلبية مطلب حل البرلمان المنبثق من انتخابات شابها تزوير واسع النطاق، مبرراً ذلك بضيق الوقت من الان حتى موعد الانتخابات الرئاسية في ايلول المقبل. وقال: "الشباب كان يطالب بحل مجلس الشعب، ولكن اذا فعلنا ذلك، لن نستطيع ان ننظر في التعديلات الدستورية"، قبل موعد الانتخابات الرئاسية لان اجراء انتخابات تشريعية جديدة سيأخذ وقتاً. ولفت الى أنه "لا بد ان يكون هناك برلمان قبل انتخابات الرئاسة لاجراء التعديلات الدستورية" التي طلب الرئيس ادخالها على المادتين 76 و77 المتعلقتين بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية ومدة الفترات الرئاسية. وكان رئيس مجلس الشعب فتحي سرور قال الاربعاء انه تقرر تعليق جلسات مجلسي الشعب والشورى الى حين ورود نتائج الفصل في الطعون على عضويتهما من محكمة النقض، مشيرا الى ان "ثمة طعونا على 120 عضوا في مجلس الشعب".
ويذكر أنه حتى إذا غير 120 من الاعضاء الـ 518 في مجلس الشعب، يظل الحزب الحاكم محتفظاً بغالبية الثلثين، اي انه يظل في وسعه فرض التعديلات الدستورية التي يريدها.
"الاخوان المسلمون" الى ذلك، اكد نائب الرئيس المصري أن الدعوة وجهت الى "الاخوان المسلمين" للمشاركة في الحوار الوطني "الا انهم لا يزالون مترددين". وقال: "تمت دعوتهم وهم ما زالوا مترددين"، في اشارة الى انهم لم يشاركوا في جلسة الحوار التي قال انه عقدها مع عدد من الاحزاب وشملت كل الاحزاب "في ما عدا حزبين رئيسيين" هما الوفد الليبرالي والتجمع اليساري. واضاف: "اقول انهم مترددون وليسوا رافضين ومن مصلحتهم الحوار الذي هو فرصة ثمينة لهم". وذكر ان الحوار مع قوى المعارضة يجب ان ينتهي "بعد عشرة ايام في اقصى حد "حتى يمكن البدء باجراءات التعديل الدستوري قبل الانتخابات الرئاسية.
وسارع الناطق الاعلامي باسم "الاخوان المسلمين" محمد مرسي الى الرد على سليمان في تصريح أورده موقع الجماعة على الانترنت بأن"الاخوان يرفضون الحوار مع النظام في شكل قاطع وليسوا مترددين".
الى ذلك، وجه سليمان في اطلالته تحذيرا الى المعتصمين في ميدان التحرير، قائلاً: "يجب ان يعلم الشبان ان كل ما طلبوه قد تم تنفيذه، واستمرار هذا الاعتصام يعني تنفيذ اجندات خارجية... يمكن ان تكون هناك اجندات لجهات اجنبية، أو للاخوان المسلمين او لرجال اعمال يمكن ان تتشابك بعضها مع البعض وتظهر المظهر السيئ في ميدان التحرير". وقبل اطلالته التلفزيونية المسائية، أعلن اللواء سليمان في تصريح صحافي ان مبارك لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة لا هو ولا نجله جمال، وأن جميع الشبان المعتقلين سيطلقون "في ما عدا المتهمين بأمور جنائية".
شفيق يعتذر وسبقت اطلالته مؤتمراً صحافياً لرئيس الوزراء اعتذر فيه عن أحداث الاربعاء، مقراً بأنها قد تكون مدبرة ، وإن يكن "لا يعرف" من يقف وراءها. وحمّل المجموعة التي كانت تحمل صور مبارك وهاجمت المناهضين للرئيس المصري في ميدان التحرير المسؤولية عما حصل معتبرا أن هدفها لم يكن "سوى المشاغبة".وقال:"أنا نفسي غير قادر على التخيل باية وسيلة وصلت هذه المجموعة، كيف دخلت، هل تألفت من فرادى أم مجموعات، هل رتب لها أم لم يرتب لها؟، هل كان عملها منظما ام تلقائيا؟".وأكد أنه "اياً كان المسؤول عما حدث سيلقى محاكمة علنية".
وفي مسعى إضافي لإرضاء المعترضين، قال ان وزير الداخلية السابق حبيب العادلي "سيُحقَّق معه، واذا تبين انه مخطئ سوف يحاسب"، في اشارة الى غياب الشرطة كلياً وانفلات الوضع الامني. الا أنه لاحظ ان بقاء المتظاهرين في ميدان التحرير "لن يجلب لهم جديداً"، ملمحاً بذلك الى انهم لن ينجحوا في تحقيق مطلبهم الرئيسي وهو تنحي مبارك.
منع من السفر وقرر النائب العام المصري عبد المجيد محمود منع امين التنظيم السابق في الحزب الوطني الحاكم احمد عز ووزراء السياحة زهير جرانة والاسكان احمد المغربي والداخلية وعدد اخر من المسؤولين من السفر وتجميد حساباتهم في المصارف. وقال في بيان إنه في ضوء "الأحداث الجارية وملاحقة المتسببين بما شهدته البلاد من أعمال التخريب والنهب والسرقة للممتلكات العامة والخاصة وإشعال الحرائق والقتل والإنفلات الأمني والأضرار بالإقتصاد القومي، تم إصدار هذه القرارات".
ميدان التحرير وفي ميدان التحرير، لم يكن لأي من هذه المبادرات الحكومية صدى، مع دخول الاعتصام يومه العاشر وتمسك المحتجين بضرورة تنحي الرئيس المصري قبل بدء الحوار مع السلطات. وكانت فرص حل الأزمة سلمياً انحسرت الأربعاء عندما هاجم موالون لمبارك مسلحين بالزجاجات الحارقة والعصي المحتجين في ميدان التحرير،وكان بعضهم يمتطي جمالا وجيادا. وصرح ناطق باسم حركة "كفاية" المعارضة بأن ما حصل الاربعاء جعل المحتجين أكثر تصميما على اطاحة بمبارك. واستيقظ الميدان على بعض الهدوء، اثر مواجهات عنيفة استمرت ليل الاربعاء - الخميس بين الالاف من انصار الرئيس مبارك واخرين مطالبين بتنحيه، تخللتها حرب مواقع ومعارك كر وفر انتهت بمقتل سبعة اشخاص على الاقل واصابة اكثر من الف.
وانتشر نحو 50 جنديا من الجيش قبل الظهر بين الفريقين قرب متحف القاهرة في منطقة فاصلة بين ميدان التحرير وميدان عبد المنعم رياض، فخف التوتر من غير ان يخلو الامر من بعض المناوشات بالحجار، وهو السلاح المتوافر لدى الجانبين. ولم يخف شبان ميدان التحرير فرحتهم بـ"الانتصار" الذي حققوه خلال الليل مع انه كلفهم قتلى وجرحى. فقد تمكنوا من دفع انصار الرئيس مئة متر الى الوراء ليصيروا تقريبا تحت "كوبري 6 اكتوبر"، وهي المنطقة التي انتشر فيها الجيش. وكان اربعة اشخاص على الاقل قتلوا فجر الخميس بالرصاص الذي اطلق على المتظاهرين ، استناداً الى الطبيب محمد اسماعيل الذي يعمل في عيادة ميدانية اقيمت في الميدان. وكان اعلن مساء الاربعاء مقتل ثلاثة أشخاص.
وعدل المحتجون في ميدان التحرير هتافاتهم من "الشعب يريد اسقاط النظام" الى "الشعب يريد اعدام السفاح". وردد بعضهم: "بالطول بالعرض حنجيب مبارك الأرض". وامتدت أعمال الشغب والحرق الى مناطق أخرى من القاهرة. وروى شهود ان نيران اشتعلت داخل المركز التجاري "هايبر وان" في ضاحية "6 اكتوبر" الراقية جنوب العاصمة المصرية.
مواصلة التحرك وأكدت الحركات المعارضة عزمها على مواصلة التحرك. وقال عمرو صلاح احد ممثلي الحركات الشبابية التي اطلقت الانتفاضة المصرية ان هذه الحركات "لا تقبل اي حوار مع النظام الا بعد تحقيق مطلبنا الرئيسي وهو تنحي الرئيس حسني مبارك". وقال احمد ابو الغار القيادي في "الجمعية الوطنية للتغيير" التي تشكلت حول المعارض محمد البرادعي وهي تضم حركات سياسية بينها "جماعة الاخوان المسلمين": "القرار واضح، لا تفاوض مع النظام قبل تنحي الرئيس المصري...بعد ذلك يمكننا التفاوض مع اللواء عمر سليمان". وطالب البرادعي القوات المسلحة في بيان بالتدخل فورا لحماية المواطنين. ومساء، أفادت مصادر أن الشرطة اعتقلت سبعة من قادة شباب ميدان التحرير بعد قيامهم بزيارة للبرادعي. وخارج القاهرة، تظاهر مزيد من المحتجين المطالبين برحيل مبارك.
ففي الاسكندرية، روى شهود إن الافاً من المتظاهرين المناوئين لمبارك ساروا في طريق الجيش المشرف على المتوسط، مطالبين بخروج الرئيس. وخرجت تظاهرات أخرى في مدينة كفر الشيخ بدلتا النيل، وفي مدينة السويس شرق القاهرة. وفي مدينة الفيوم جنوب غرب القاهرة، نظم مئات من أعضاء الحزب الوطني والموظفين الحكوميين تظاهرة تأييد لمبارك.
الودائع على صعيد آخر، طمأن المصرف المركزي المصري الى أن كل ودائع العملاء لدى المصارف آمنة ومضمونة. وقال إنه سعياً الى إتاحة الحرية لعملاء المصارف للسحب والإيداع في حساباتهم لدى المصارف، والسحب من خلال آلات الصارف الآلي، تقرر فتح تدريجي لفروع المصارف في أحياء القاهرة والإسكندرية وعواصم المحافظات، بدءا من الأحد المقبل للتعامل مع العملاء من الساعة العاشرة صباحا وحتى الساعة الاولى والنصف بعد الظهر، وصولا إلى فتح كل فروع المصارف وشركات الصرافة تدريجاً في أقرب وقت. و ص ف، رويترز، أ ب، أ ش أ،ي ب أ
ضرب بالعصي والأيدي وتوقيفات لصحافيين أجانب يغطّون الانتفاضة
تعرض صحافيون أجانب كانوا يغطون الانتفاضة المصرية لضرب بالايدي والعصي من مؤيدي الرئيس المصري حسني مبارك في شوارع القاهرة، واعتقل عشرات منهم على أيدي قوى الأمن، في ما وصفته واشنطن بأنه محاولات لترهيب الصحافة.
وأعلنت مديرة الاخبار في القناة الاولى في التلفزيون الفرنسي كاترين نايل أن ثلاثة من صحافيي القناة أوقفوا صباح أمس في القاهرة واقتيدوا الى جهة مجهولة. وكانت قناة "فرانس 24" الاخبارية الفرنسية أعلنت بعد ظهر الاربعاء اعتقال ثلاثة من صحافييها على أيدي "المخابرات المصرية".
وصرح مدير الاعلام في شبكة "آرتي" باسكال غويمييه بأن الموفد الخاص للشبكة الفرنسية - الالمانية الى القاهرة وسام شرف "اعتقل على حاجز للجيش، بينما كان يحاول الوصول الى نقطة البث وفي حوزته شريط التحقيق الذي أجراه خلال النهار". وقال إن "جوازه الفرنسي صودر منه، وكذلك هاتفه النقال وشريط التحقيق الذي اجراه. وقد أوقف طوال ساعة على الحاجز ثم وضع في دبابة ونقل الى جهة غير معروفة مع اثنين آخرين من الصحافيين الاجانب". ومساء، أعلنت الشبكة اطلاق شرف.
وفي فرصوفيا، أفاد المسؤول في شبكة "تي في بي" الرسمية بيوتر كريسياك أن الشرطة المصرية اعتقلت الصحافي في المحطة "بيوتر غوريكي والمصور ومهندس الصوت. ولا تتوافر لدينا تفاصيل اخرى".
واعتقل رجال من الشرطة مصورين آخرين للشبكة قرب ميدان التحرير في القاهرة، ثم افرجوا عنهما. وفي بروكسيل، قال مدير الاعلام في صحيفة "لو سوار" البلجيكية جوريك كوزكيفيتش ان الصحيفة لم تحصل بعد على معلومات عن موفدها الخاص الى القاهرة سيرج دومون الذي اعتقله مجهولون فيما كان يغطي التظاهرات في العاصمة المصرية. وأوضحت الصحيفة ان المعلومات الاخيرة المتعلقة بدومون الذي يراسل ايضاً صحيفة "لو تان" السويسرية و"لا فوا دو نور" الفرنسية، تعود الى الساعة 13:30 بتوقيت غرينيتش الاربعاء، عندما تمكن السفير البلجيكي في القاهرة من الاتصال به على هاتفه النقال. وفي اثينا، أفاد مصدر حكومي ان الموفد الخاص للصحيفة اليومية اليونانية الابرز "كاثيميريني" بتروس باباكونستانتينو ومصوراً اصيبا بجروح الاربعاء خلال مواجهات في القاهرة، الا أنهما ليسا في خطر.
وكتب محرر الشؤون الخارجية في صحيفة "الواشنطن بوست" دوغلاس جيل في موقع الصحيفة على الانترنت أن شهوداً عدة رووا أن مديرة مكتب الصحيفة في القاهرة ليلي فاضل والمصورة ليندا ديفيدسون كانتا بين عشرات الصحافيين الذين اعتقلتهم وزارة الداخلية المصرية. وبثت قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية أن ثلاثة من صحافييها اعتقلوا، وأن آخر فقد.
وعلق البيت الابيض بأن الاعتداءات التي تعرض لها صحافيون يغطون الاحتجاجات الجارية في مصر "مرفوضة كليا"، داعياً الى الافراج فوراً عن جميع المعتقلين منهم. وصرح الناطق باسمه روبرت غيبس على متن الطائرة الرئاسية التي نقلت الرئيس باراك اوباما الى بنسلفانيا: "اريد ان أقول كلمة عن الصحافيين الذين يتعرضون للاستهداف في مصر. هذا امر مرفوض كليا وتماما". وفي باريس، دعت فرنسا السلطات المصرية الى وقف "التحركات غير المقبولة" التي تتعرض لها وسائل الاعلام الاجنبية، وخصوصاً الفرنسية منها "وتوفير امنها". و ص ف، أ ب
|