أقحمَ "المجتمع الدولي" سوريا والسوريّين منذ أسابيع في دوّامة جديدة: البحث عن "الإرهابيّين". واتّفقت الدول الكبرى على تكليف الأردن إعداد مشروعٍ يحدّد "مَن الإرهابي ومَن غير الإرهابي في الحرب السورية". ثم جاء قرار مجلس الأمن الأخير وما تضمّنه من توصيات لِيَستثني "الجماعات الإرهابية" مِن "وقف إطلاق النار" المُزمع تطبيقه.
ولمّا كانت "الأمم المتّحدة" لا تعترف بمبدأ "إرهاب الدولة" وتعترف بتمثيل النظام الأسديّ لسوريا، ولمّا كانت روسيا وإيران تشاركان في المباحثات والتصنيفات ولهما قوّات عسكرية تقاتل وتقصف في سوريا تحت حجّة "محاربة الإرهاب"، فإنّ الواضح أن ما يجري لا يغدو كونه "غربلة" لبعض قوى المعارضة المسلّحة ومحاولة ابتزازٍ لها أو إعادة تجميعٍ لبعض فصائلها ضمن تحالفات ميدانية جديدة.
الخطير في الأمر أنه يُتيح إلى حين الانتهاء من تلك "الغربلة" استمرارَ القصف الجوّي الروسي والأسدي والعمليات العسكرية البرّية بقيادة إيرانية، وهي جميعها تستهدف قوات المعارضة (والمدنيّين) من دون تمييز. كما أنه سيُتيح بعض الانتهاء من "الغربلة" استمرار القصف إيّاه في مناطق شاسعة، نظراً لتداخل مواقع الفصائل المعنيّة.
الأخطر، إنْ نظرنا إلى الوقائع والأرقام المجرّدة حتى من المعطيات السياسية، أنّ كل تصنيف للإرهاب في سوريا لا يضع النظام وحلفاءه في رأس القائمة، يكون في ذاته "إرهاباً" بتداعيات سياسية وأخلاقية شديدة الأذى.
فكيف يمكن السماح للمسؤولين المباشرين عن قتل 95 في المئة من الضحايا المدنّيين للصراع أن يُحاكِموا ويقاتِلوا بغطاءٍ "قانوني" ودعمٍ دولي المسؤولين عن قتل 2 في المئة من الضحايا (علماً أن 3 في المئة سقطوا على أيدي من ليسوا أصلاً مثار بحثٍ أو هم غير معلومين و"مصنَّفين")؟ وكيف يمكن اعتبار من عذّب وقتل حتى الموت آلاف السجناء في فروع أمنية معروفة ومُوثّقة في دمشق خارج لوائح "الإرهاب"؟
في ما خلا نظام الأسد و"داعش"، لا طائل ولا معنى لكلّ تصنيف للإرهاب والإرهابيّين في سوريا. وإذا كانت قيادة جبهة "النصرة" مرتبطة بتنظيم "القاعدة" وتستحق بدورها التشهير والتصنيف الإرهابي، فإنّ آلاف مقاتلي الجبهة من أبناء البلدات والمدن السورية ممّن يُقاتلون النظام و"داعش" لا يُفترض أن يُتركوا نهباً لطائرات الإرهاب الروسي والأسدي أو أي طائرات أُخرى. ذلك أن ثمة فارقاً بين "الإرهاب" وبين التشدّد العقائدي أو التسلّط الميداني الذي يرافق الصراعات المسلّحة، جميعها. وهذا يسري كذلك على قيادتي "جيش الإسلام" و"أحرار الشام" والكثير من الفصائل الإسلامية الأُخرى.
يُعطف على ذلك أن بعض مفاعيل التصنيفات التي يجري الحديث عنها أو تسريبها قد تكون كارثية سياسياً إضافة الى تهافتها أخلاقياً وتأكيدها احتقار القانون الدولي الإنساني والمعايير العادلة للتصنيفات.
فمِن دون ضمانات حول رحيل نظام الأسد والتأكيد على رفض حصانة جميع من ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن دون الدعوة الصريحة لانسحاب الغزاة الإيرانيّين والروس والعراقيّين واللبنانيّين والأفغان من سوريا، ستتفاقم الأوضاع أمنياً وقد تنشب صراعات بين "النصرة" وفصائل من الجيش الحرّ مثلاً، أو تنضمّ فصائل من الأخير الى قوى إسلامية ترفض "المسارات التفاوضية" وما يُسمّى "مرحلةً إنتقالية"، ناهيكم عن تداخل بعض التحالفات اليوم في أطرٍ (كجيش الفتح) أنزلت هزائم كُبرى بجيش النظام وحلفائه في أكثر من منطقة في الشمال السوري، وما سيعنيه الأمر من استمرار العمليات العسكرية فيها والغارات الجوّية ضدّها وما يرافق الأمر من خسائر بشرية مدنية وعمرانية فادحة.
في الخلاصة، يمكن القول إن التخبّط وقلّة الاكتراث بالمقتلة السوريّة والمسؤولين عنها وسبل وقفها ما زال طاغياً في مقاربات معظم الدول المتعاطية بالشأن السوري. وما زال الإرهاب بأشكاله المختلفة داخل سوريا مرآةً لجانب من انحطاط العلاقات الدولية ومقارباتها الشرق أوسطية. |