التاريخ: شباط ٢, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
العاهل الأردني أقال حكومة الرفاعي وكلّف البخيت تأليف حكومة إصلاح

عمان – من عمر عساف   

 

أقال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين رئيس حكومته سمير الرفاعي، في خطوة متوقعة منذ أيام، استجابة لمطلب أساسي للشارع الأردني الذي خرج منذ شهر مطالبا بتغيير نهج تأليف الحكومات وإجراء إصلاحات حقيقية في مختلف المجالات. وقوبلت هذه الخطوة برضا عدد من أطياف الشارع، إلا أن أطيافاً أخرى، وخصوصاً الحركة الاسلامية، تحفطت عنها.


وكلف الملك رئيس الوزراء السابق معروف البخيت تأليف حكومة جديدة، على أن تتخذ خطوات عملية وسريعة وملموسة لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي "حقيقي". وطلب منه إجراء "عملية تقييم شاملة"  تفضي إلى إجراءات فعالة "تعالج أخطاء الماضي" وإلى "خطة عمل واضحة"  تتقدم بمسيرة الإصلاح إلى الأمام، وذلك من خلال "مراجعة جميع القوانين الناظمة للعمل السياسي والمدني والحريات العامة وتطويرها".


وركّز كتاب التكليف، الذي وجهه عبد الله الثاني إلى البخيت، على تقديم آلية إجراء "حوار وطني شامل وممنهج" تتمثل فيه جميع مكونات المجتمع وأطيافه "للتوافق على قانون انتخاب جديد"، فيما يبحث النواب في قانون الانتخاب الموقت الذي قدمته إليه الحكومة المقالة.
وكان مجلس النواب منح حكومة سمير الرفاعي ثقة تاريخية قبل 38 يوما، بغالبية 111 من أصل 119 صوتا، مما أغضب الشارع الأردني الذي طالب بحل المجلس مع إطاحة الحكومة.

رسالة إلى الشارع
وكتاب التكليف، وإن يكن موجها إلى البخيت، حمل في مضامينه رسائل مباشرة إلى الشارع الأردني الذي تظاهر، احتجاجاً على الغلاء وتفشي الفقر والجوع والبطالة، إلى الفساد، وعلى هدي من إيقاع الشارعين التونسي والمصري.


غير أن ما ميز الاحتجاج الأردني، سلميته، وقرار من "فوق" بعدم التعرض لأي حراك شعبي، وإتاحة المجال للناس للتعبير عن احتجاجاتهم.
 كما أن المطالب لم تسع قط إلى تغيير النظام، وإنما تغيير نهجه في تأليف الحكومات وإجراء إصلاح حقيقي.
وحصل الشباب والإعلام والتربية والتعليم وتكافؤ الفرص على مساحات وتركيز في كتاب التكليف، الذي شدد على "تبني السياسات التي تزيل مشاعر الإحباط المنتشرة بين جيل الشباب نتيجة شعورهم بغياب المساواة في الفرص وانتشار الواسطة والمحسوبية".

ردود الفعل
ومعروف أن البخيت كان مطلوبا ومرشحا من عدد من التيارات الموجودة في الشارع، وخصوصاً "المتقاعدين العسكريين" الذين يقدرون بنحو مئتي ألف، وهو مقبول لدى القبائل.
لكن الحركة الإسلامية أعربت عن سخطها على التغيير الحاصل. وهي، وإن تكن راضية عن إقالة الرفاعي، أبدت تخوفها من مرامي تعيين البخيت.
ورأى القيادي في الحركة رحيّل الغرايبة أن اختيار البخيت يشير إلى أنه ليست هناك "نية جدية للإصلاح"، وقال في تصريح لـ"النهار" أن هذا شبيه بصب الزيت على النار، وتساءل: "ماذا نتوقع من بطل الانتخابات النيابية والانتخابات البلدية ومن سمح بإقامة كازينو في البحر الميت؟".
واعتبر أن الإيجابية الوحيدة للمجيء بالبخيت هي أنها "تزيد اشتعال الشارع".


وأصدر حزب جبهة العمل الإسلامي بيانا مقتضبا جاء فيه أن "هذا الاختيار لا يقود إلى الإصلاح المنشود". وطالب البيان الذي تلقته "النهار" البخيت "بالاعتذار عن تشكيل الحكومة وإفساح المجال لشخصية وطنية مقبولة تقود البلاد إلى الإصلاح المنشود".


كما أصدرت الهيئة الوطنية للإصلاح "قيد التأسيس" بيانا مشابها، رأت فيه أن ما هو مطروح "لا يستجيب للطموحات المشروعة للشعب الأردني المتمثلة بإصلاح سياسي يضع حداً لاحتكار السلطة ويوسع دائرة المشاركة السياسية".

البخيت
ومعلوم ان البخيت هو أول رئيس وزراء "مكرر" يأتي إلى الحكومة مجددا في عهد عبدالله الثاني، خلافا لما رسمه الملك من عرف بعدم التجديد لرئيس وزراء سابق.
وهو خدم في القوات المسلحة، وكان مسؤولا عن التخطيط الاستراتيجي، وانضم إلى الوفد المفاوض لعملية السلام، وعمل ضابط ارتباط خلال هذه الفترة مع المخابرات والخارجية ومنسقاً للمفاوضات المتعددة الطرف.


ثم عين سفيرا للأردن لدى تركيا، فسفيراً في إسرائيل، فمديرا لمكتب الملك لفترة قصيرة، الى أن عهد إليه الملك عبدالله الثاني في تأليف الحكومة الخامسة في عهده في 27 تشرين الثاني 2005 عقب التفجيرات الإرهابية التي نفذتها "القاعدة" في ثلاثة فنادق عمانية، واستمر فيها حتى 22 تشرين الثاني 2007.
وهو ذو خبرة ديبلوماسية وسياسية وأمنية عسكرية طويلة، ويعد مخططا استراتيجياً، وينتمي إلى الطبقة الوسطى (الأوسع في المجتمع).


ويرى مراقبون أنه منحاز إلى الشعب، ومعادٍ لتيار الليبرالية الجديدة التي قادت عمليات خصخصة موارد الدولة وباعت عددا من اصولها، ويأخذون عليه "تأنيه" في اتخاذ القرارات.
ويعتقدون أن إطاحته جاءت بتحالف من رئيس الديوان الملكي آنذاك باسم عوض الله ومدير المخابرات السابق اللواء محمد الذهبي بعد توريطه في عدد من القضايا، أبرزها التزوير الفاضح للانتخابات البلدية والنيابية.


وقد جاب الأردن طولا وعرضا منذ رحيله عن الحكومة، وهو يلقي محاضرات ويعقد حوارات ولقاءات مع مختلف أطياف المجتمع الأردني السياسية والاجتماعية.
وتقدم أخيرا ببرنامج إصلاحي شامل وبعيد المدى، قال أنه سيمكن البلاد من الخروج من أزماتها وينقلها إلى رحاب الحداثة والديموقراطية يحدث إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية.
غير أن برنامجه يستغرق 30 سنة، وهو ما رأى محللون أنه لا يتوافق مع المطالب الآنية الملحة للإصلاح، ولا يؤمن حلولا للأزمات القائمة.