التاريخ: شباط ٢, ٢٠١١
المصريون ملأوا الساحات: "ارحل ارحل" و"ثورة حتى النصر"
المعارضة ترفض الحوار قبل تنحي مبارك وتستعد لـ"جمعة الرحيل"

في اليوم الثامن من التظاهرات المناهضة لنظام الرئيس المصري حسني مبارك، زحف المصريون بمئات الالاف الى ميدان التحرير في القاهرة وساحة الاسكندرية وساحات أخرى في دلتا النيل، استجابة لنداء حركات المعارضة الى "يوم التظاهرات المليونية". أولاد وشباب وكهول، فقراء ومهنيون من الطبقة الوسطى، محامون وأطباء وطلاب وعاطلون عن العمل، محجبات وسافرات، ملأوا الساحات والشوارع المتفرعة منها في اكبر حشد تشهده البلاد منذ بدء حركة الاعتراض، وعلت فيها هتافات "ارحل ارحل" و"الشعب يريد اسقاط الرئيس". ومع توسع الاحتجاجات الشعبية، رفضت المعارضة الدعوات الى الحوار قبل رحيل مبارك، وطالب المعارض البارز محمد البرادعي الرئيس المصري بان يترك السلطة قبل يوم الجمعة المقبل الذي اطلق عليه المتظاهرون "جمعة الرحيل"، وقال العضو في جماعة "الاخوان المسلمين" كمال الهلباوي إن رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق سامي عنان قد يكون خليفة مقبولاً للرئيس المصري اذ ينظر اليه على انه غير فاسد. وعلى رغم وقف السلطات وسائل النقل العام من القاهرة واليها وتعليق خدمات القطارات في محاولة لاعاقة وصول المصريين من المناطق البعيدة، غص ميدان التحرير في العاصمة بمئات الآلاف من الاشخاص الذين جاؤوا يعبرون عن استيائهم من سنوات القمع والفساد والصعوبات الاقتصادية، وتوزعوا في حلقات عدة تطلق الهتافات وسط اجراءات امنية مشددة نفذها الجيش عند مداخل الميدان بالتعاون مع "لجان شعبية" كانت تفتش الداخلين وتدقق في هوياتهم.


وأطلق حشد من الرجال والنساء والاولاد لدى مرور طائرة هليكوبتر عسكرية فوق بحر من البشر في الميدان: "مش هانمشي... هو يمشي".
وحمل المحتجون اعلاما مصرية ورايات، وهتفوا: "مع السلامة يا مبارك"، و"ثورة ثورة حتى النصر، ثورة في كل شوارع مصر"، رافضين الوعود بالاصلاح لحكمه الشمولي.
وفي الاسكندرية، ثانية كبرى المدن المصرية، شارك ايضاً مئات الآلاف في تظاهرة ضخمة امام مسجد القائد ابرهيم في وسط المدينة، قبل ان يتوجهوا الى كورنيش البحر، وهم يطلقون هتافات تدعو الى رحيل مبارك.
وكما في القاهرة والاسكندرية، تظاهر ايضا عشرات الالاف في ثلاث مدن في دلتا النيل، هي المنصورة وطنطا والمحلة الكبرى.


وافاد مصدر امني ان اكثر من مليون شخص شاركوا في التظاهرات، موضحاً   ان عدد المتظاهرين "بلغ اكثر من نصف مليون في القاهرة ونحو 400 الف في الاسكندرية، و40 الفا في المنصورة، و30 الفا في السويس، و20 الفا في الغربية، وعشرة آلاف في كل من المنوفية وقنا، وعشرة آلاف في الاسماعيلية". وحصل كل ذلك وسط جو من الاطمئنان بعد تأكيد الجيش انه "لم ولن يستخدم القوة ضد الشعب المصري"، واصفاً مطالبه بانها "مشروعة". ولم يسجل أي حادث، علماً أن المفوضة السامية للامم المتحدة لحقوق الانسان نافي بيلاي قدرت بـ 300 قتيل عدد الذين سقطوا منذ بدء التظاهرات في مصر ، استنادا الى "تقارير غير مؤكدة".


 ومع استمرار قطع خدمات الإنترنت في مصر، أطلقت شركة "غوغل" خدمة خاصة تتيح للناس بث رسائل على موقع "تويتر" من خلال الاتصال برقم هاتفي وترك رسالة صوتية.
وأفادت الشركة الاميركية ان مدير تسويقها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وائل غنيم مفقود منذ الخميس الماضي في مصر.

لا للحوار "قبل رحيله"
وفي موازاة الضغوط الشعبية، تكثفت نداءات المعارضة لرحيل الرئيس ورفضت الدعوات المتكررة التي أطلقها نائب الرئيس المصري اللواء عمر سليمان ورئيس الوزراء الجديد الفريق احمد شفيق الى الحوار.
وأعلنت "اللجنة الوطنية لتحقيق مطالب الشعب" التي تضم البرادعي وممثلين لقوى المعارضة الرئيسية، ومنها "الاخوان المسلمون"، أنها "لن تدخل في تفاوض (مع الدولة) حتى يرحل رئيس الجمهورية عن موقعه " وعندها يبدأ التفاوض الجماعي من أجل الانتقال السلمي للسلطة وتحقيق مطالب الشعب.

البرادعي
وقال البرادعي في تصريحات لقناة "الحرة" انه "مع خروج آمن" للرئيس المصري، وان المعارضة تريد ان تطوي صفحة الماضي ولا تريد محاسبة مبارك على ما حصل في عهده، مشيراً الى انها ستقول "عفا الله عما سلف".


ورأى في حديث الى قناة "العربية" الفضائية، أنه يمكن أن يكون هناك حوار، ولكن يجب أن تنفذ مطالب الشعب، وأولها رحيل مبارك، مشيرا إلى أن الحوار سيتضمن ترتيبات لانتقال السلطة وحل البرلمان. وأمل أن يعم الهدوء مصر، قائلا إن هذا  يتطلب رحيل مبارك خطوة أولى.


اما حركات الاحتجاج الشبابية التي اطلقت انتفاضة الخامس والعشرين من كانون الثاني، فأكدت بلسان احد قيادييها انها ستختار ممثلها للحوار مع الدولة "ولكن بعد تنحي الرئيس".
وقال شادي الغزالي حرب (32 سنة)، وهو طبيب جراح تخرج من جامعة القاهرة ثم نال درجة الدكتوراه في زرع الكبد من احدى الجامعات البريطانية، ان "الشباب الليبرالي سيكون له الاثر الاكبر في مسيرة مصر ما بعد مبارك".


وقال مصطفى النجار من مجموعة البرادعي ان وزير الاعلام أنس الفقي ورئيس الوزراء الجديد الفريق أحمد شفيق أجريا اتصالات فجر امس لطلب اجراء محادثات، موضحا ان العرض رفض الى ان يتخلى مبارك عن السلطة.


وقبل ذلك، أعلن رئيس الوزراء الجديد ان حكومته "في صدد اعادة النظر في كل ما هو قائم"، في اشارة الى التنازلات التي يمكن ان تقدم الى المعارضة لاستيعاب حركات الاحتجاج. ونقلت عنه وكالة انباء الشرق الاوسط أن المراجعة لموقفنا السياسي والدستوري والتشريعي قابلة تماما للمناقشة والتطوير من دون اي قيود او حدود". وفي محاولة لامتصاص النقمة الشعبية، أوضح أن "الاجور والاسعار وكل ما يعني المواطن المصري ويهتم به في منزله وعمله وحياته اليومية ونشاطه السياسي خاضعة لإعادة التعديل من جانب الحكومة الجديدة".


ودعت 50 منظمة حقوقية مصرية في بيان مشترك الرئيس المصري الى "الانسحاب حقناً لدماء المصريين". واكدت المنظمات التي تشمل ابرز منظمات الدفاع عن حقوق الانسان في مصر، مثل مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان والجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمركز العربي لاستقلال القضاء، انه "على الرئيس مبارك ان يحترم ارادة الشعب المصري وينسحب حقنا لدماء المصريين". وطالبت "باصدار دستور جديد للبلاد من خلال جمعية وطنية مشكّلة من ممثلي الاحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني".


وأبلغ الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قناة "العربية" الفضائية دعمه للتغيير في مصر ولكن من طريق الحوار، مبديا استعداده لتولي اي منصب لخدمة بلاده اذا طلب منه ذلك. لكنه لم يتخذ موقفاً مباشراً من المطالبات بتنحية مبارك. وقال ان "هذا الطلب يجب ان يكون محل الحوار المقبل وان تسير الامور بسلاسة وسلام وبلياقة".

سامي عنان
وفي لندن، رأى كمال الهلباوي، وهو رجل دين بارز في الخارج ينتمي الى "الاخوان المسلمين"، أن سامي عنان الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع واشنطن ليبرالي يمكن اعتباره مناسباً من تحالف معارض بدأ يتشكل في الشارع المصري. وقال: "يمكن أن يكون رجل مصر المقبل... أرى أنه سيكون مقبولاً لانه تمتع ببعض من السمعة الحسنة. هو غير متورط في فساد. لا يعرفه الناس (فاسدا)". وأكد أن عنان لا ينتمي الى تيار إسلامي لكنه "رجل جيد وليبرالي".


ولا يعرف الكثير عن عنان دولياً، ولكن يعتقد أنه في بداية الستينات، وأمضى الكثير من حياته المهنية في الدفاع الجوي في الجيش المصري.
واستنادا الى نبذة عن حياته يدونها موقع خدمة "سيلوبريكر" المختصة بمراقبة الاخبار والمعلومات، ولد عنان عام 1948 في القاهرة وتدرب في روسيا وفرنسا وكذلك في أكاديمية عسكرية في مصر. وتولى مهمات كبيرة في الدفاع الجوي قبل تعيينه في رتبته الحالية عام 2005 .
ولعنان على ما يبدو علاقات ودية مع واشنطن.


وعن دور "الاخوان المسلمين" قال الهلباوي إن"الاخوان يشكلون الآن جزءاً من تحالف بقيادة البرادعي، لذلك، لم يعودوا يعملون على جدول اعمال خاص بهم. هم يعملون في تحالف مع البرادعي".
وص ف، رويترز، أ ب، أ ش أ،ي أ