ثمة أسباب كثيرة، سياسية وغير سياسية، تفسّر انبهار الممانعين العرب واليمينيين المتطرفين ومثلهم بعض الشيوعيين واليساريّين في أوروبا الغربية بروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين.
من الأسباب السياسية، توافقهم على كراهية الولايات المتحدة الأميركية، بعضهم لدعم واشنطن إسرائيل أو لتدخّلاتها العسكرية العديدة في المنطقة والعالم، أو لمجرّد قوّتها وأحادية تسيّدها المسرح الدولي لعقود، وبعضهم لشوفينية (في حالة أقصى اليمين الأوروبي) تبحث عن الصفاء العرقي وترى في أميركا (الأوبامية تحديداً) ما يرمز الى التعدّد والعولمة التي تمقتها.
لذلك، يتحوّل متحدّي حصريّة التدخّل الأميركي دولياً ونقيض التعددية المجتمعية الأميركية ثقافياً الى بطلٍ بالنسبة الى هؤلاء، ولَو فاقت وحشية تدخّلاته كل وحشيةٍ أخرى.
من الأسباب السياسية أيضاً، كراهيتهم للديمقراطية بما هي "تجربة غربيّة" يرونها مُزوّرة أو منافقة. وهذا يؤكّد أن إعجابهم بالأنظمة الشمولية أو بالأفراد القادة وبالسلطة المطلقة أساسيّ في "ثقافتهم". فليست صدفة أن كلّ الأنظمة التي دعمها الممانعون كانت على تناقضاتها قمعية استبدادية، من عراق صدّام الى سوريا الأسد فإيران أحمدي نجاد، وصولاً الى التجارب البائسة للمعسكر "الاشتراكي" وانتهاءً بكوريا الشمالية. ولا يختلف اليمين المتطرّف في أوروبا كثيراً عنهم، لميوله الفاشية في خطابه وسلوك زعمائه ونقمتهم على المؤسسات الديمقراطية التي تقيّد حركتهم.
وروسيا بالطبع هي اليوم بالنسبة لهؤلاء جميعاً القوة "المواجهة" للديمقراطيّات الغربية والساخرة من قيمها السياسية ومؤسّساتها.
ويمكن إضافة سبب أخر، طائفي عنصري، يجمع قسماً من الممانعين العرب بأخوانهم الغربيّين. فالعداء للمسلمين السنّة مشترك بينهم، والتذرّع بأنظمة الخليج ليس إلا قناعاً لتمويهه، ولروسيا القيصرية في حروبها مع السلطنة العثمانية، ثم لروسيا البوتينية في مذابحها ضد الشيشان باع طويل فيه.
وليس من قبيل المصادفة أن الحوارات الدينية الإيرانية - الروسية مستمرّة منذ سنوات وفحواها مواجهة "التطرف والإرهاب"، وأن تمييز إيران في مخيال كثرٍ في الغرب ينطلق من "حضارتها الفارسية" السابقة للإسلام ومن تشيّعها اللاحق المخالف لـ"تسنّن" أكثرية المسلمين، بمن فيهم أكثرية المسلمين الأوروبيين.
لهذه الأسباب ولغيرها، ولافتتانٍ بنموذج "الأزعر" أو الفتوّة وما يمثّل من تجسيد للقوة المتحرّرة من القوانين والضوابط، يبدو الإعجاب ببوتين وبدوره في الشغب على "النظام الدولي" وتوازناته التي كرّستها نهاية الحرب الباردة قبل ربع قرن سائداً هذه الأيام في الأوساط التي ذكرنا.
وهذا بالطبع يُسهّل على موسكو سياساتها العدوانية في محيطها الجغرافي وتدخّلاتها العسكرية في غير موقع في العالم. فكيف إذا كان التدخّل القائم لإنقاذ نظام البراميل والكيماوي في سوريا الذي اجتمع الممانعون العرب والفاشيون وبعض الشيوعيّين واليساريّين الغربيّين إياهم على موالاته؟ |