التاريخ: أيلول ٢٣, ٢٠١٥
المصدر: nowlebanon.com
ديمقراطيّة لا شيوعيّة - حازم صاغية
ليس جديداً بحال من الأحوال نقد الشيوعيّة أو حتّى نقضها. فديمقراطيّون وليبراليّون كثيرون، في أصقاع مختلفة من العالم، أخذوا عليها توتاليتاريّتها، ووعدها الطوباويّ الذي انتهى في الواقع إلى بناء أنظمة استبداد مُحكمة، وإلى ما أسماه ألكسندر سولجنتسين "غولاغات"، أي إدارات رئيسيّة للمعسكرات، يتلخّص فيها تكوين النظام واشتغال السلطة.

وبالفعل سقطت تلك المنظومة القمعيّة مع انهيار "المعسكر الاشتراكيّ" في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، فيما بقي نظام كالنظام الكوريّ الشماليّ، المتآكل والمتصدّع، ليكون شاهداً على النهايات الأليمة.

لكنّ نقد الشيوعيّة، من أجل أن يكون مقبولاً ومحترماً، ينبغي أن يتطهّر من عيوب (وهذه كلمة مخفّفة جدّاً) كثيرة. من ذلك ألاّ يكون موظّفاً، أي من ذاك الصنف الذي عمّمته حقبة الحرب الباردة وما شهدته من تراشق دعائيّ (وماليّ وتجسّسيّ) بين الولايات المتّحدة الأميركيّة والاتّحاد السوفياتيّ.

ومن ذلك أيضاً تجنّب الخلط بين النظام الشيوعيّ والمكتبة الماركسيّة التي لا غنى عن أجزاء منها لأيّ وعي سياسيّ أو اجتماعيّ راهن ومعاصر. لكنّ أهمّ ما ينبغي استبعاده إنّما يتّصل بطبيعة الناقد ذاته.

فمثلاً، حين يصدر النقد (وهو، هنا، سبٌّ وشتمٌ في أغلب الحالات) عن ديكتاتور عسكريّ يمينيّ، أو عن مالك عبيد، يكون المكتوب، بطبيعة الحال، مقروءاً من عنوانه.

والحديث عن الشيوعيّة والشيوعيّين في لبنان، خلال الأسبوع الماضي، وعلى لسان أكثر من مسؤول سياسيّ أو اقتصاديّ، يندرج في هذه الخانة الأخيرة.

صحيحٌ أنّ "النقّاد" ليسوا ديكتاتوريّين عسكريّين، كما أنّهم ليسوا ملاّك عبيد، إلاّ أنّ فيهم شيئاً مؤكّداً من أخلاق هذين الطرفين اللذين يحصرون معنى الشيوعيّة بـ... التخريب" على وضع هم مستفيدون منه ومرتاحون إليه".

ذاك أنّ رفض الإقرار بالحقوق، ورفض التنظيم طلباً لهذه الحقوق، و"اتّهام" المطالبين والمنظّمين بالشيوعيّة، إنّما ترقى جميعاً إلى إعلان حرب، لا على الشيوعيّة، بل على الديمقراطيّة نفسها ومعها مجموع قيم الحداثة والتقدّم والتنوير.

ودفاعاً عن هذه الأخيرة، قبل أن يكون دفاعاً عن الشيوعيّة، لا بدّ من إدانة هذه "المقاربة" التي تستعير لغة الحرب الباردة كي تفرض الحرم على قطاع من المجتمع له كلّ الحقّ في أن يفكّر كيفما يشاء، وكي تبتزّ المطالب المحقّة ورافعيها ديماغوجيّاً، لا سيّما عبر الوصم بالإرهاب والتخويف بذلك.

وقد كان في وسع "الطبقة السياسيّة" اللبنانيّة وجناحها الماليّ أن يقدّما درساً للشيوعيّين في كيفيّة التعاطي ديمقراطيّاً معهم، وكيفيّة الجمع بين الاختلاف وصيانة الحقّ في التعبير عنه. لكنْ... على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟