التاريخ: آب ٣١, ٢٠١٥
الكاتب:
المصدر: موقع أنفاس برس - المغرب
من وحي لحظة الإبتزاز الذي تعرض له المغرب من طرف صحافيين فرنسيين
اطلعت كسائر الناس على تفاصيل عملية الإبتزاز التي قادها صحافيان فرنسيان ضد المغرب، ربما كانا يسعيان من خلالها لضمان تقاعد مريح يجنبهما عناء مهنة المتاعب، وقضاء ما تبقى من العمر على ضفاف "الكوت دازير"، أوفي الأمكنة المنتشرة حول العالم، حيث لا أحد يسأل عن مصدر المال، غير أن ذلك بقدر ما كان صادما هو مناسبة لإبداء ملاحظات أظنها من وحي اللحظة أكثر من أي شيء آخر:

الأولى: تعتبر هذه العملية ابتزازا للمغرب، وعلى من يمثل الصحافة في فرنسا أن يقدم اعتذارا للمغاربة عما لحقهم من أضرار بسبب الإساءة إلى مؤسساتهم، وأظن أن هذا هو الذي قد يعيد إلى الصحافة الفرنسية البعض من مصداقيتها، التي بنتها أجيال من الصحافيين المؤمنين بنبل المهنة و ما دامت الصحافة هي مهنة تحكمها أخلاقيات، فبداية ذلك هي تقديم اعتذار للمغرب لتحقيق المصالحة مع القارئ المغربي الذي تقبل بنهم بعض فئاته على الصحافة الفرنسية؛

الثانية: تعود بعض الناشرين الإسترزاق على حساب المغرب من خلال نشر كتب قد لا يعيرها القارئ الفرنسي أي اهتمام، في الوقت الذي يقبل عليها الكثير من المغاربة بسذاجة كبيرة، ليكتشفوا في نهاية المطاف أنها لا تخضع لأية مقاربة علمية و تفتقر إلى الموضوعية ومنطقها محكوم بالحقد والتآمر، وأنهم كانوا ضحايا تصديق بعض المواقع الإشهارية، غير أنه ومع ذلك فإن البعض ممن يفتقر إلى الحس العلمي يسارع إلى اقتنائها، وتداولها وجعل ما ورد فيها  مصدرا أساسيا للمعلومات ومنطلقا ومنتهى أوحد للتحليل؛

الثالثة: يتعين على النخبة المغربية التي دأبت على جعل مصدر معلوماتها الصحافة الفرنسية، والجلوس طويلا لمشاهدة القنوات الفرنسية، لمعرفة ما يجري في المغرب، وكأنه مقاطعة لفرنسا، أن تدرك أن عملية الإبتزاز هذه ما هي إلا شجرة تخفي غابة متوحشة من اللاهثين وراء المال السهل، وأن الصحافة المغربية هي اليوم في حاجة إلى مساعدة حقيقية من طرف كافة المتدخلين، لبناء غد مشرق لها  يساهم فيه كل من موقعه؛

الرابعة: تصنف عادة بعض المنظمات الدولية المغرب ضمن الدول التي تضرب عرض الحائط باحترام القانون وبحرية الصحافة،  فنتمنى أن تشكل هذه المتابعة صحوة لضمائر أولئك الذين كانوا يسارعون إلى المقارنة مع فرنسا، ونطرح عليهم سؤالا من الضروري الإجابة عليه هو: ما الموقف الذي يجب أن يتبناه القضاء عندما تتم الإساءة بل إهانة مؤسسات الدولة و انتهاك الحياة الخاصة للناس؟ وأظن أن هذه الواقعة وموقف القضاء الفرنسي منها سيفيد في تطوير النقاش الدائر عندنا حول حرية الصحافة والحريات بصفة عامة؛

الخامسة: وضعت بعض الجهات الدولية سلما للمؤشرات الخاصة بدولة القانون، وباتت تصنف الدول على ضوء تلك المؤشرات، وكثيرا ما يتم وضع المغرب ضمن الدول المتأخرة، فأتمنى أن يشفع قرار المغرب اللجوء إلى القضاء الفرنسي، ليبث في تفاصيل ما تعرض له، في إعادة النظر في هذه التصنيفات وإن كان المغرب ليس أصلا في حاجة إلى ذلك؛

السادسة: لقد حدثت بالمغرب الكثير من المتغيرات، توجها دستور 2011، وتشارك اليوم كل القوى الحية بالبلاد في عملية بناء غد أفضل، غير أن ما هو أكيد هو أن كل من يريد التعامل مع المغرب عليه أن يجعل من مسألة احترام خصوصياته  منطلقا لأي تعامل؛

السابعة: على الغرب أن يدرك أن الكثير من المآسي التي تقع في دول عديدة، يتحمل هو مسؤوليتها وأنه هو من شجع المرتزقة بمختلف أشكالهم وأنواعهم ليبتزوا عبر وسائل متعددة ومختلفة، يضعها هو رهن إشارتهم، لممارسة المزيد من الضغط على الدول والحصول على المزيد من المنافع، فلو كان لدول أخرى جرأة المغرب لظهرت الغابة التي تخفيها الشجرة.

عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط