ربما لم تشكل استقالة محمود عباس من رئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة، مع أكثر من نصف اعضائها، مفاجأة كاملة، لكنها اثارت تساؤلات حول شرعية هذه الخطوة، وأغراضها الحقيقية. وقد كان واضحاً أن الهدف تغطية الدعوة لعقد جلسة للمجلس الوطني، بمن حضر، باعتبار ان النظام الداخلي للمنظمة ينص على ان اجتماعات الدورة العادية، وحتى الطارئة، تتطلب ثلثي أعضائه، في حين اجاز عقد جلسة بمن حضر في ظروف "القوة القاهرة"، التي تحول دون عقد دورة عادية او طارئة، بغرض ملء الشواغر في اللجنة التنفيذية، في حال تجاوز العدد ثلث اعضائها، وهو ما تم بتمثيلية "الاستقالة" المذكورة.
إذاً نحن ازاء وضع تقوم فيه القيادة الفلسطينية بتجاوز النظام الداخلي، او تجييره لحسابها، لترتيب اوضاع الهيئة القيادية في المنظمة بما يتلاءم مع حساباتها الداخلية، الأمر الذي يجعلها في مقام من ينتخب ناخبيه، أو من يعيد انتاج ذاته بذاته!
طبعا ليست تلك المرة، ولا الحالة، الأولى، التي يجري فيها تجاوز اللوائح والأطر الشرعية، إذ ان اتفاق اوسلو (1993) تم تمريره من خلف الاطر، وحتى منظمة التحرير ذاتها تم تهميشها، اما المجلس الوطني، موضوع النقاش، فلم يجر عقد اجتماع له منذ عقدين (1996)، في حين تنص اللوائح على اجتماع له مرة في العام، علما ان فترة العضوية في المجلس هي ثلاثة اعوام، ما يعني ان المجلس لم تتجدد عضويته منذ عشرين عاما، فضلا عن أن معظم اعضائه بات لهم ثلاثة عقود أو اربعة.
المسألة هنا لا تتعلق بمناهضة مسعى القيادة لتجديد شباب الاطر، فهذا أمر مطلوب وملح وضروري، سيما ان الكثير من الاعضاء باتوا فوق الثمانين، وكثيرون لم يعد لديهم ما يضيفونه، وإنما القصد أن المسألة لاتتوقف على تجديد الدماء، او تغيير الأشخاص، وإنما تفترض تجديد مجمل مناحي العمل الفلسطيني، اي الأفكار والخيارات والبني واشكال العمل، بعد ان ثبت اخفاقها وعقمها، طوال مسيرة مضنية ومكلفة قدرها نصف قرن. القصد، أيضا، ان يشمل التجديد مجمل الكيانات الجمعية الفلسطينية، اي السلطة والفصائل والمنظمات الشعبية، فثمة فصائل ليس لها اي مكانة في مجتمعات الفلسطينيين، ولا دور في مواجهة العدو، ولا اي نكهة او مبرر، وهو ما ينبغي اخذه في الاعتبار، بخاصة ان التجديد وفق نظام المحاصصة الفصائلية ("الكوتا) يعيد انتاج الماضي بكل سلبياته، ويشكل عبئا وقيدا على تطوير الحركة الوطنية والنظام السياسي الفلسطينيين.
أخيرا كان بإمكان القيادة الفلسطينية، ومنذ سنوات، التحضير لعقد جلسة عادية للمجلس الوطني الفلسطيني، بدلا من اللجوء الى خطوة كهذه، تضر بصدقيتها، لدى شعبها، وتثير علامات الشك حول مقاصدها. |