التاريخ: شباط ١, ٢٠١١
لبنان: ميقاتي يبحث عن «مخرج مُقْنع» يبدد صبغة «الانقلاب المقنّع»
الجميل يقوم بـ ««المسعى الأخير» مع الرئيس المكلف وملامح صراع بين «الجنرالين»

تقدم المشهد المصري الاهتمامات حتى في لبنان، الذي لم يخرج بعد من تداعيات «الملابسات الصادمة» لانتقال السلطة فيه من ضفة الى ضفة. وافضى الانشغال المحلي والاقليمي والدولي بـ «الغليان المتفجر» في القاهرة الى ما يشبه «فترة سماح» لطرفي الصراع في بيروت لبلورة خياراتهما النهائية حيال المرحلة المقبلة، ومفتاحها الرئيسي المتمثل بالحكومة التي يعمل الرئيس المكلف تشكيلها نجيب ميقاتي على انضاجها على «نار خفيفة».


ونشط ميقاتي «المتريث» في تظهير صيغ حاسمة لحكومته، على اكثر من خط في اطار «ديبلوماسية الكواليس» لابعاد اكبر قدر من «الكوابيس» التي تعترض طريقة لايجاد «مخرج مُقْنع» يتيح له تعريض القاعدة السياسية لحكومته، بعدما كان اتهم بانه مجرد واجهة لـ «انقلاب مقنّع» قادته سورية عبر حلفائها في بيروت لقلب المعادلة السياسية والاطاحة برئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري وفريقه من السلطة.


وبدا ان ميقاتي، الذي انطلق من معادلة تزاوج بين انفتاحه على الجميع لكن من دون التزامات سابقة، لم يقطع الامل في امكان احداث «خرق» في موقف تحالف «14 اذار» يمكنه من اشراك بعضه بـ «المفرق» اذا تعذر عليه اشراكه بالجملة في حكومة «كلنا للوطن كلنا للعمل»، وهو يحاول عبر وسيلتين لتحقيق هذه الغاية: فتح قناة اتصال بـ «حزب الكتائب» برئاسة الرئيس السابق امين الجميل والحوار مع شخصيات قريبة من «تيار المستقبل» كالنائب تمام سلام والوزير عدنان القصار.


ورغم الاتجاه شبه الحاسم لتحالف «14 اذار» بعدم المشاركة في حكومة ميقاتي، وهو ما رشح عن اجتماع اقطابه ليل اول من امس، فان هذا التحالف يحاول رمي الكرة في ملعب الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، انطلاقاً من ربط الموقف النهائي من المشاركة او عدمها بـ «اجابات» ميقاتي عن الاسئلة المكتوبة التي سلمت اليه، وتتناول موقفه من الالتزامات اللبنانية تجاه المحكمة الدولية، من سلاح «حزب الله» لا سيما في «شقه» الداخلي.


في موازاة ذلك، واصل ميقاتي السير في «حقل ألغام» على 3 مستويات: الاول يتعلّق بـ «لغم» المحكمة، والثاني بـ «فتيل» تشكيل حكومة من لون واحد لا تشارك فيها 14 آذار، والثالث بـ «صاعق» التجاذب حول خريطة توزيع الحقائب الوزارية على اكثر من صعيد ولا سيما على المستوى المسيحي في ظل ملامح «شهيّة» زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون على ان تكون له الحصة الأكبر من «الكوتا» المسيحية مع تجنُّب تكرار إعطاء الرئيس ميشال سليمان حصة وازنة على ما جرى خلال حكومة الحريري حين نال حقيبتين سيادتين (الداخلية والدفاع).


واذا كان الرئيس المكلف يتجنّب حتى الآن الإفصاح عن خريطة الطريق الذي سيعتمدها للتعاطي مع الملف - العقدة المتمثل بالمحكمة مكتفياً بشعار «الحوار والإجماع» الذي اعتُبر من البعض «حمّال أوجه»، فان الواضح ان ميقاتي لم يرفع «الراية البيضاء» بالنسبة الى سعيه لإشراك قوى 14 اذار في الحكومة، وسط مسافة شاسعة برزت بين الزاوية التي سيقارب منها ملف المحكمة انطلاقاً من «مخلفات» مسعى السين - السين والجهود التركية - القطرية، وبين الحرص الذي أبداه الحريري على تفادي اي «حشر له في الزاوية» عبر إبلاغه الى الرئيس المكلف «وجهاً لوجه» وخلال اجتماع قيادة «تيار المستقبل» ان «كل ما يتصل بما سمي سين- سين اصبح من الماضي، وهو في حكم المنتهي وغير الموجود».


وتحت سقف «السرعة لا التسرُّع» وان «لا فيتو» على إشراك اي طرف في الحكومة التي يفضّلها حكومة وحدة وطنية، أكمل ميقاتي اتصالاته التي كان الأبرز فيها لقاؤه امس وللمرة الثانية في نحو 16 ساعة، الرئيس الجميّل.


وبدا واضحاً من خلال ما اعلنه الجميّل، هو الذي كان زار ميقاتي مساء الاحد قبيل مشاركته في اجتماع قادة 14 اذار، انه تحرّك في اتجاه الرئيس المكلف «بالتنسيق» مع سائر مكونات قوى 14 اذار في إطار «مسعى أخير» للوقوف على موقف الرئيس المكلف من «ثابتتيْ» المحكمة الدولية والسلاح غير الشرعي، «بغية اتخاذ القرار الذي نراه مناسبا لمصلحة البلد، قبل أن تعود الاصطفافات الى سابق عهدها، وقبل ان يدخل البلد في صراع مفتوح، خصوصا في ظل الغليان الحاصل في منطقة الشرق الاوسط» على ما اوضح رئيس «الكتائب».


وعلى خط متصل، ذكرت تقارير في بيروت ان رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع ينوي الاجتماع مع ميقاتي خلال اليومين المقبلين «رغم رأي جعجع الثابت والواضح في ما خصّ الضغوط التي سبقت تسمية ميقاتي رئيسا للحكومة»، في محاولة من جعجع «لتبيان حقيقة موقف ميقاتي شخصيا ومباشرة من كل الامور المطروحة».


وكان مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال النائب السابق غطاس خوري اكد أننا «كفريق 14 اذار إما أن ندخل جميعاً الحكومة أو لا يدخل أحد، وبالتالي هذا الموقف يوحدنا»، مضيفاً «هناك «سؤالان أساسيان حول المحكمة الدولية والسلاح، ويجب أن تتم الإجابة عنهما في شكل واضح وغير ملتبس».


وعلى خط التعقيدات التي بدأت تلوح في افق توزيع الحقائب ضمن الحكومة، اذا لم تشارك «14 اذار» فيها، بات واضحاً ان الرئيس المكلف يواجه «مطبات» على جبهتيْ «صراع الجنرالين» (ميشال سليمان وميشال عون) وتجاذُب قوى اساسية ضمن 8 اذار وتنافُسها على قطف حقائب «الصف الاول» من جهة، والقدرة على ملاقاة «اندفاعة التوزير» من غالبية الأطراف والشخصيات التي دعمت تكليف ميقاتي من جهة أخرى، ما ينذر بجعل الحكومة العتيدة وحقائبها اشبه بـ «جوائز ترضية»، وهو الأمر الذي جعل اوساطاً سياسية لا تستبعد تشكيل حكومة من 30 وزيراً.


ووسط اتجاه قوي لـ «إبقاء القديم على قدمه» بالنسبة الى توزيع الحقائب السيادية الاربع (خارجية للشيعة والمال للسنّة والداخلية للموارنة والدفاع للأرثوذكس)، اشارت معلومات الى وجود نزاع على حقائب الداخلية والعدل والدفاع بين وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية وآخرين على عون، مع ملامح اتجاه لـ «مكافأة» النائب وليد جنبلاط عبر زيادة حصّته الوزارية من خلال توزير مسيحي (نعمة طعمة) وربما سني (علاء ترو) اضافة الى وزير او اثنين درزييْن، وهو ما سيكون بطبيعة الحال على حساب قوى اخرى في الحكومة، من دون إغفال ان الرئيس المكلف لا يزال يبحث عن سبل تأمين تمثيل سني وازن في حال رفض «المستقبل» المشاركة يوائم بين عدم توزير اسماء «استفزازية» وبين اختيار شخصيات لها صدقية.