واشنطن – من هشام ملحم: القاهرة والعواصم الأخرى – الوكالات:
تتحول القاهرة والمدن الرئيسية اليوم ساحة اختبار فعلي بين انتفاضة شعبية وضعت رحيل الرئيس حسني مبارك سقفا لتحركها والنظام الذي يسعى من طريق تنازلات لا تلبي حتى الآن الحد المقبول من مطالب الحراك السياسي المستمر منذ أسبوع، الى انقاذ نفسه والاستمرار في حكم بدأ قبل 30 سنة. ويتجلى عرض القوة للانتفاضة الشعبية في الدعوة الى تظاهرة مليونية في القاهرة وأخرى في الاسكندرية، فضلا عن تظاهرات في بقية المدن اليوم. وفي ما يشبه الضوء الاخضر لتحرك المتظاهرين المتصاعد، أعلن الجيش المصري في بيان انه لن يستخدم القوة ضدهم، وأنه يتفهم "مشروعية مطالب الشعب".
وعشية تصعيد الاحتجاجات، أعلن نائب الرئيس المصري اللواء عمر سليمان ان مبارك كلفه البدء فورا بحوار مع المعارضة في شان الاصلاح الدستوري والتشريعي. وكان سبق ذلك اعلان تشكيلة الحكومة الجديدة التي استبعد منها وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي الذي خلفه اللواء محمود وجدي، وكذلك الوجوه الموالية لجمال مبارك نجل الرئيس.
وفي موقف يعكس استياء أميركيا من بطء العملية الاصلاحية المطلوب من مبارك الاقدام عليها، أعلن البيت الابيض ان المطلوب من النظام المصري أعمالا وليس تعيينات. وقالت وزارة الخارجية الاميركية إن واشنطن ارسلت مبعوثا الى القاهرة لتحديد الموقف الاميركي، مؤكدة أن المطلوب الان الغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981.
وفي اسرائيل، أطلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أقوى تحذير منذ بدء الاضطرابات في مصر، إذ أعرب عن تخوفه من ان يتحول هذا البلد ايران أخرى في المنطقة اذا سقط حكم مبارك، وأجرى سلسلة اتصالات مع زعماء أوروبيين لتقديم الدعم له. وتحت تأثير القلق من الازمة، والمخاوف من ان تؤدي الى اقفال قناة السويس، تجاوز سعر برميل النفط المئة دولار للمرة الاولى منذ اكثر من سنتين. أما الذهب فسجل أول انخفاض شهري في ستة أشهر.
سليمان وفي وقت لاحق، تلا سليمان بيانا عبر التلفزيون أعلن فيه ان مبارك كلفه اجراء اتصالات فورا مع كل القوى السياسية لبدء حوار في شأن كل القضايا المثارة والمتعلقة بالاصلاح الدستوري والتشريعي على نحو يخلص الى تحديد واضح للتعديلات المقترحة والتوقيتات المحددة. وقال سليمان في البيان "إنه في ما يتعلق بالاصلاح السياسي والديموقراطي شدد السيد الرئيس على أن قرارات محكمة النقض في الطعون الانتخابية لا بد أن تحظى بالتنفيذ الامين لها من جانب الحكومة على نحو عاجل ودون ابطاء، مما يكفل اتخاذ الاجراءات الدستورية، والتشريعية لاعادة الانتخابات في دوائر الطعون في غضون الاسابيع القليلة المقبلة".
وأضاف انه "في اطار ما تعهده السيد الرئيس في كلمته الى الشعب الاسبوع الماضي، وفي خطاب تكليفه للحكومة الجديدة، وخلال اجتماع سيادته اليوم بمجلس الوزراء بتشكيله الجديد، فقد أعطى توجيهاته بالاعلان في غضون الايام القليلة المقبلة عن (بيان الحكومة)، متضمنا لسياسات واضحة ومحددة لتنفيذ تكليفاته في اطار زمني عاجل، على نحو يستعيد الثقة في الاقتصاد المصري، ويعوض ما لحق به من أضرار وخسائر، ويتعامل على وجه السرعة مع اولويات محاصرة البطالة ومكافحة الفقر والفساد وتحقيق التوازن المطلوب بين الاجور والأسعار".
توقف الأ،ترنت تماماً وفي وقت متقدم أمس، أعلنت شركة أميركية متخصصة في رصد شبكة الانترنت أن مجموعة النور، وهي آخر مزود لخدمة الانترنت كان لا يزال يعمل في مصر، توقفت أمس عن الخدمة مما جعل هذا البلد منقطعا تماما عن الانترنت.
واشنطن
• في واشنطن، واصلت الادارة الاميركية ضغوطها السياسية العلنية على مبارك لاجراء اصلاحات حقيقية منها الغاء قانون الطوارئ المفروض منذ 1981، تؤدي الى انتخابات شفافة، ونقل منظم وسلمي للسلطة الى حكومة جديدة، ودعت الى "مفاوضات جدية مع قطاعات واسعة من الشعب المصري، بما في ذلك التنظيمات المعارضة لتلبية الحريات التي يرغب فيها الشعب". وقللت أهمية التغيير الحكومي الاخير في القاهرة، إذ صرح الناطق باسم البيت الابيض روبرت غيبس بأن "المسألة لا تتعلق بالتعيينات بل بالاعمال، هذا ما أعتقد ان الناس هنا وفي كل انحاء العالم يتوقعونه من الحكومة المصرية".
وشدد على ان مفهوم "الانتقال" يعني "التغيير"، وان تفادى القول إن التغيير يعني التخلص من مبارك، مشيرا الى ان المصريين الذين يطالبون بحريات أوسع لا يتطلعون الى طرف آخر ليختار طبيعة التغيير وشكله، و"هذه مسألة يقررها الشعب المصري... وخلال هذه الاحداث وقفنا مع الشعب المصري كي يقرر هو كيف ستكون مصر في المستقبل".
وتأكيدا لجديتها، اعلنت واشنطن عن وصول مبعوث خاص الى مصر هو السفير الاميركي السابق في القاهرة فرانك ويزنر (بين 1986 و1991) لايصال الرسالة الاميركية في شأن التوقعات الاميركية مباشرة ومن دون لبس الى الرئيس المصري وكبار مساعديه.
وبينما يمتنع المسؤولون الاميركيون عن القول علنا انهم يريدون او يعملون على تنحي مبارك، بدأ بعضهم عبر تسريبات وتصريحات خلفية بالقول ان ادارة الرئيس باراك اوباما تفضل ألا يترشح مبارك في انتخابات ايلول المقبل.
وكرر غيبس أمس مضمون تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الاحد عن رغبة الولايات المتحدة في انتقال منظم وسلمي للسلطة الى حكومة جديدة واجراء انتخابات نزيهة، وجدد دعم واشنطن لتطلعات الشعب المصري كي يتمتع بمختلف انواع الحريات، ومنها حريات التجمع والتعبير والتنظيم وضرورة توفير هذه الحريات من خلال انتخاب حكومة جدية.
وواصل المسؤولون الاميركيون تفاديهم الاجابة مباشرة على الاسئلة المتعلقة بمستقبل الرئيس مبارك من نوع ما اذا كانت واشنطن لا تريد ان يكون مرشحا في انتخابات ايلول. وعن هذه المسألة قال الناطق غيبس: "ليست الولايات المتحدة الطرف الذي يقرر من سيكون على قوائم الاقتراع. السؤال هو هل تكون تلك الانتخابات نزيهة وحرة؟ هذا ما سنركز عليه بقوة".
ودعا الحكومة المصرية مرارا الى اجراء مفاوضات مع قطاعات واسعة من الشعب المصري بما فيها القوى المعارضة، وجدد الدعوة الى تعديل الدستور والسماح لاكثر من مرشح بدخول السباق الرئاسي والغاء قانون الطوارئ الذي يعطي السلطات صلاحيات واسعة لانتهاك الحقوق الاساسية للمواطن المصري. وخلص الى أن "كل هذه الاشياء يجب ان تحدث في البلاد من اجل الانتقال الى شيء أكثر ديموقراطية".
وأكد أن واشنطن تتابع اتصالاتها مع المسؤولين المصريين والتي شملت اتصالات بين وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء الاركان، وقال ان السفارة الاميركية في مصر على اتصال بالمعارض محمد البرادعي الذي قال إنه من الشخصيات الناشطة في المجتمع المدني من الذين تريد واشنطن التعاون معهم.
وحول ما اذا كانت واشنطن قلقة من نفوذ "الاخوان المسلمين"، قال "ان المتظاهرين لا يمثلون فريقا واحدا او ايديولوجية معينة"، معتبرا ان زيادة التمثيل الديموقراطي "يجب ان تشمل عددا من اللاعبين غير العلمانيين، الامر الذي يعطي مصر فرصة قوية كي تكون شريكا مستقرا ويعتمد عليه". وكرر ان "المشاركة السياسية لهذه القوى يجب ان تكون مبنية على نبذ العنف والتزام القانون".
وبدأ البيت الابيض توسيع دائرة التشاور في شأن الازمة المصرية، إذ دعا مجلس الامن القومي عددا من الباحثين والاختصاصيين في الشؤون المصرية للاستماع الى تقويمهم لما يحدث. وطغت الازمة المصرية على غيرها من الاخبار في الولايات المتحدة وهي تحتل منذ ايام المرتبة الاولى في اخبار الاذاعات وشبكات التلفزيون والعناوين الرئيسية لكبرى الصحف، كما يشارك في المناقشات والمناظرات التلفزيونية والاكاديمية عدد كبير من الباحثين والمحللين، ويميل الرأي السائد الى الاعتقاد ان حقبة مبارك قد انتهت عمليا وان غير رسميا. وفي هذا السياق قال الرئيس الاميركي سابقا جيمي كارتر انه على مبارك "ان يستقيل". وأضاف: "هذا أعمق تطور في الشرق الاوسط منذ ان غادرت البيت الابيض" في 1980.
ونسبت صحيفة "بوليتيكو" الالكترونية الى الباحث ستيفن كوهين، الذي أجرى اتصالا مع نائب الرئيس المصري عمر سليمان، ان الاخير قال له إنه ووزير الدفاع حسين طنطاوي يعملان معا لترتيب انتقال السلطة من مبارك. وقال للصحيفة ان سليمان وطنطاوي يعتقدان ان أهم شيء بالنسبة الى مستقبل مصر "هو ألا تكون هناك مواجهة بين الجيش والشعب...".
|