التاريخ: تموز ٥, ٢٠١٥
المصدر: مدير مركز تطوير للدراسات - فلسطين
الشرط السياسي لانتصار لحظة المصالحة الفلسطينية - هشام دبسي
أبدى نائب وزير الخارجية الروسي، استعداد بلاده لاستضافة المحادثات الفلسطينية - الفلسطينية بهدف المساعدة على إنجاز المصالحة الوطنية. فإذا نجح المسعى الروسي في جمع الأطراف الفلسطينية كافة، كما ترغب وتعلن موسكو ونجح ايضاً في تأمين جغرافيا سياسية للقاء الرئيس محمود عباس مع رئيس حركة حماس خالد مشعل. فهل تنتهي عقدة المكان؟ وهل سيجد الملف المتخم بالوثائق، والتفاهمات، والاتفاقات التصالحية سبيله إلى النور؟ إنها الأسئلة التقليدية التي يفكر بها الناس فضلاً عن المتابعين، أسئلة تثار قبل وبعد كل لقاء هدفه المعلن انجاز المصالحة الوطنية؟! ولأن المتفاوضين طالما قالوا بألسنتهم أكثر من مرة، إننا لا نجد شيئاً جديداً لمناقشته، وأن القضايا أشبعت بحثاً وتمحيصاً... فأين المشكلة إذاً؟ وماهي لحظة المصالحة الحقيقية؟ وما هو شرطها السياسي حتى نراها واقعاً، وليس على الورق؟

المبررات الذرائعية

من السهل على أي متابع، رصد ما يقوله قادة «حماس» عن أسباب عدم تطبيق الاتفاقات، وما يقوله قادة السلطة وحركة فتح في سياق الرد أو التوضيح. لقد أصبح هذا السجال لا يهم الرأي العام الفلسطيني والعربي كما لا يشكل دليلاً للبحث عن مسؤولية أي طرف عن إفشال المصالحة، لأن جوهر القضايا المطروحة بصفتها أسباباً للفشل، هي قضايا ذرائعية لا ترقى إلى المستوى الذي يفرض تعطيل مسألة وطنية كبرى بوزن إنهاء الانقسام السياسي الجغرافي على مستوى الوطن، والانقسام العمودي الأفقي مع مستوى الشعب.

فشل الرهانات 

إن نجاح حركة حماس في بناء هيكلها الحزبي وتشكيل الأطر والمؤسسات الجماهيرية التابعة لها في مواجهة هيكل وبنية وأطر منظمة التحرير، وبالاستقلال عنها، انتج حالة الانقسام العمودي والأفقي على مستوى الشعب الفلسطيني، ومكّن حركة حماس من الوصول إلى السلطة الوطنية عام 2006 عبر الانتخابات اليتيمة التي شاركت فيها.. لكنها اختارت الانقلاب في صيف 2007 وبناء سلطتها المطلقة على جزء من الوطن بدل الشراكة الكاملة على المستوى العام. 

وهكذا أضحت الحركة الإخوانية بنسختها الفلسطينية في مواجهة اختبارين يمسان أساس عقيدتها: 

الاختبار الأول: يكمن في قدرتها على الإمساك بالسلطة المطلقة في قطاع غزة والاستمرار بسياستها الداعية إلى تدمير دولة إسرائيل وتحرير كامل فلسطين من النهر إلى البحر بما هي أرض وقف إسلامي. 

الاختبار الثاني: رهانها على تجاوز البرنامج الوطني الفلسطيني وانتاج حل للمسألة الفلسطينية بالاتفاق المباشر بين الحركة وإسرائيل يحظى بتغطية إخوانية دولية. إنه مشروع اتفاق يلحظ بالحد الادنى هدنة طويلة الأمد مع فك الحصار عن القطاع، وتأمين شروط استمرار سلطتها عليه، بينما يتمثل حده الأقصى في إنشاء دولة فلسطينية «إسلامية» قاعدتها قطاع غزة، مع تعديلات جغرافية هنا وهناك. وهذا ما كشفت أمره الوساطة السويسرية في زمن رئاسة محمد مرسي، الذي ساهم بالتفاهم مع الإدارة الأميركية، وبعض العواصم العربية والإقليمية في توفير مقدمات نجاح هذا الحل البديل للمشروع الوطني الفلسطيني.

لكن السقوط المدوي لنظام الإخوان المسلمين في مصر أسقط معه الرهان على مشاريع الحل بعيداً من الخيار الوطني المعتمد، كما أسقط وهم امكانية تجاوز منظمة التحرير والسلطة الوطنية وبرنامجها السياسي. 

لقد أحسنت حركة حماس بالتراجع السريع عن هذا الخيار، وبالتوجه لحل حكومة اسماعيل هنية بموجب «اتفاق الشاطئ» وتشكيل حكومة الوفاق. وهذا ما قرّب لحظة المصالحة الفلسطينية وجعلها ممكنة. لكن هذا ما لا تسمح به إسرائيل المستفيدة الأولى من الانقسام واستمراره. 

لذا خرج نتنياهو وجيشه للحرب من جديد، لاجتياح مدن وقرى الضفة الغربية لإنهاك السلطة الوطنية، ولتنفيذ أوسع عدوان وأشرس هجوم على القطاع وأهله واستنزاف القوة العسكرية لحركة حماس. هكذا سقطت الرهانات واقعياً. لكنها لم تسقط بعد من عقل بعض قيادات حماس الأكثر تطرّفاً. فهي ما زالت تبحث عن هدنة طويلة تلبي شروط الحد الأدنى. 

إن عقل المكابرة السياسية والايديولوجية، مازال يتحكم بالرؤية الحمسوية على الرغم من الممارسات البراغماتية المدهشة في تجاوزها لمعايير المصلحة الوطنية. 

إلا أن الأفول السريع لتجربة الاسلام السياسي «السنّي» في مصر، وانكشاف الاسلام السياسي الشيعي في إيران، باعتباره لا يقل انتهازية واستخداماً «للمقاومات الاسلامية» في سبيل المصلحة القومية الفارسية كما يراها نظام الملالي... كل ذلك لا يترك مجالاً لأن تستمر حركة حماس اسيرة وهم مشروعها الخاص بعيداً عن الاندماج بالمشروع الوطني الفلسطيني. وهو اندماج لا يعني مطالبة حماس بالتخلي عن برنامجها السياسي أو معارضتها للسياسات التي تنتج عن إعادة الحياة الديمقراطية للنظام السياسي الفلسطيني.

إن المشروع الوطني المعتمد منذ عام 1988 يستمد قوته من استجابته للمصلحة الوطنية الفلسطينية ولحاجات الأغلبية المطلقة من الشعب، أكثر مما يستمد قوته من الإجماع السياسي للفصائل في المجلس الوطني. ولا أغامر بالقول إن هذا البرنامج العام يمثل في الواقع مصالح المعترضين عليه أيضاً، وإلا لماذا سعت القوى المعترضة للاندماج في السلطة الوطنية، والتوافق التدريجي مع مفاعيل الاتفاقات التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية بما فيها اتفاق «أوسلو» «الشيطاني»!!؟. 

عندما تسقط الأوهام والرهانات المتعارضة مع المصلحة الوطنية الفلسطينية لن نحتاج إلى ملف سميك من الوثائق كما لن نحتاج إلى أي عاصمة عربية أو دولية. فالقرار الفلسطيني يمكن انتاجه في رام الله أو غزة لا فرق. 

هشام دبسي مدير "مركز تطوير للدراسات "