رحل قبل يومين اللواء محمد ناصيف خير بك، المعروف بـ"أبو
وائل"، معاون نائب رئيس الجمهورية السورية، وأحد أقرب المقرّبين الى حافظ الأسد بين العامين 1977
و1998.
ما يعنينا من سيرة الرجل في هذه العُجالة ليس إجرامه وفساده، وهما أبرز
سمات الحكم الأسدي ولا تفوّق استثنائياً للمتوفّى فيهما، بل أدواره السياسية الأمنية التي قادته على مدى
سنوات للعمل على ملف العلاقات السورية الأميركية، وللإشراف بتكليف من الأسد الأب ثم ابنه على بعض جوانب
ملف العلاقات السورية الإيرانية ومن ضمنها الملف الأهم: "شيعة لبنان". وأبو
وائل بهذا المعنى ظلّ لغاية العام 1998، ثم من جديد بعد عام على توريث السلطة في دمشق، أبرز المتابعين
للأوضاع اللبنانية ولإدارة المواقف فيها. فتكليفه بالتواصل مع طهران بعد قيام "الجمهورية الإسلامية"
وبدء الحرب العراقية الإيرانية ثم الاجتياح الإسرائيلي للبنان أثمر مروراً للحرس الثوري الى البقاع
العام 1982 ومساهمةً في تأسيس حزب الله. وصعود الأخير مقروناً بصراعه مع حركة أمل وبضرب اليسار اللبناني
في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت أفضى بُعيد اتفاق الطائف وحرب إقليم التفاح تقسيماً للعمل حصَر قتال
إسرائيل بحزب الله والتمثيل الشيعي في مؤسسات الدولة السياسية وإداراتها العامة بحركة أمل فارضاً على
الطرفين التعاون الانتخابي برعاية إيرانية سورية.
كما أن علاقات أبي وائل
الأميركية أتاحت صلاتٍ أمنيةً بواشنطن بعد هجمات 11 أيلول العام 2001 ثم اجتياح العراق العام 2003 رافقت
تمرير الجهاديين عبر الأراضي السورية الى الرمادي، ثم تسليم بعضهم أو اعتقال البعض الآخر حسب الحاجة
وحسب نبرة الخطاب الأميركي. وطيلة المرحلة تلك، كان العديد من
السياسيّين والإعلاميّين اللبنانيين يقصدون دمشق بهدف لقاء أبي وائل بوصفه مرجعاً يصل إليه إما من مرّ
في امتحان عنجر فكرّمته بتأمين موعد له، وإما غير المحتاج "للتأشيرة العنجرية" لِحظوةٍ تُتيح له "وظائف"
سياسية لبنانية. وفي جميع الأحوال، كانت زيارة أبي وائل تعكس مستوى
الرجل وأكثر زوّاره. فهو مكلّف من الأسد بملفٍّ ملؤه النهب والرشوة المنظّمة والابتزاز والقتل ويمتلك
فيه كوتا تعيينات وتسويات موضعية يمكن أن تتمّ تحت سقف الاتفاقات الكبرى التي يبرمها نظامه، والزوّار
بمعظمهم معدومو الكرامة والأخلاق باحثون عن موقع هنا ومنفعة هناك يرون تأمينها وقفاً على إشارة
مخابراتية وعلى قبول بشراكتهم أو على نشرٍ لأخبار وتعليمات.
بذلك، كان التواطؤ
غير قليل بين أبي وائل ونموذجه داخل النظام السوري وكثرة من السياسيين والإعلاميين داخل "النظام
اللبناني". فتَحوَّل الرجل الى مرآة لأحوالٍ سورية ولبنانية على مدى سنوات، من المفارقات أن سائر شركائه
فيها – من مواقع ومراتب مختلفة – قضوا قبله قتلاً أو تاهوا في المنافي تاركين خلفهم "أيتاماً" زادهم موت
أبي وائل يُتماً ووحدةً.
رحيلٌ جديد لواحد من مسؤولي النظام السوري حدث قبل
يومين إذن. والأسف الوحيد، إن كان من أسف، أن المسؤول لم يرحل وهو خلف القضبان حيث كان يستحقّ أن يُمضي
ما تبقّى له من أيّام... |