التاريخ: حزيران ٤, ٢٠١٥
المصدر: جريدة المدن الالكترونية
الحنين الاميركي للدكتاتوريات - حسين عبد الحسين
طالب الكاتب روبرت كابلان، المحسوب على فريق الرئيس باراك أوباما اليساري، بعودة الامبريالية الى الشرق الأوسط. وكما عبارة "الفوضى الخلاقة" الصادرة عن إدارة الرئيس السابق جورج بوش اليميني، يعكس هذا النوع من المقالات والتصريحات التفكير العام في العاصمة الأميركية، الذي يجد غالبا طريقه الى عقول صانعي القرار، وتاليا يساهم في صناعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
 
المقال، كعدد من المقالات المثيرة للجدل التي تم نشرها على مدى العقد الماضي، اثار نقاشا حادا أظهر سطحية فكرية أميركية مهولة، تصاحبها مخيلة لا اخلاقية عند بعض المثقفين الاميركيين، من اليسار ومن اليمين.
 
مقالة كابلان صدرت في مجلة "فورين بوليسي"، الأسبوع الماضي، بعنوان "حان وقت إعادة الامبريالية الى الشرق الأوسط"، ما أثار عاصفة من الردود بين الكتاب الاميركيين ممن اتهموه بالمطالبة بإرسال جنود اميركيين الى المنطقة ليلقوا حتفهم. ودفعت الردود كابلان الى تدبيج توضيح قال فيه ان العنوان الأصلي الذي اختاره كان "اهلا بكم في عالم ما بعد الامبريالية"، وان محرري المجلة عدّلوه بطريقة لا تعكس فحواه، ما دفع المحررين الى تعديله مرة ثانية ليحمل عنوان "آثار الإمبراطورية في الشرق الأوسط".
 
وتابع كابلان دفاعه عن نفسه بإشارته الى مقالة أخرى نشرها في "ذي اتلانتيك"، هذا الأسبوع، بعنوان "فن تفادي الحرب"، أبرز ما جاء فيها ان على الولايات المتحدة ان "تلجأ لاستخدام الوكلاء حيثما تجدهم، حتى بين الأعداء". وضرب كابلان مثالا فيما اعتبره ضرورة تعامل واشنطن مع متمردي اليمن الحوثيين، وقال "إذا ما أراد الحوثيون، الذين تدعمهم إيران، محاربة القاعدة، فلماذا على اميركا ان تعارض؟" وأضاف: "إذا أشعل الإيرانيون مرحلة جديدة من الحرب الطائفية في العراق، فليكن ذلك من صنع أيديهم".
 
ما يهم كابلان هو مصلحة الولايات المتحدة، والتي اختصرها في مقالته في "فورين بوليسي" بالقول انه "كان الديكتاتوريون العرب في عموم المنطقة يصبون في المصالح الأميركية، ولكن الآن، صار عددهم أقلّ، وفي دول عديدة، ببساطة لا يوجد أحد مسؤول يمكننا ان نأخذ اليه مخاوفنا". فالفوضى ليست مشكلة أمنية وإنسانية، حسب كابلان، بل هي "عائق أساسي لممارسة اميركا قوتها".
 
خلاصة مقالي كابلان انه يعتقد ان الديكتاتوريات العربية، التي أفادت القوة الأميركية، كانت من صنيعة الامبريالية، وانه بانهيار هذه الأنظمة، صارت الولايات المتحدة تجد نفسها أمام عائق لفرض نفوذها في ظل الفوضى، ما دفع الكاتب الى مطالبة بلاده بالتعامل مع أي طرف قوي يخدم مصالح أميركا، حتى لو قام هذا الطرف بإشعال حروب أهلية.
 
عندما يتحدث كابلان عن ضرورة عودة الامبريالية الى الشرق الأوسط، فهو لا يقصد ان تستأنف أميركا هذا الدور، بل يتمنى لو تعود الديكتاتوريات، خليفة الكولونيالية الأوروبية، من تلقاء نفسها وربما بمساعدة أميركية من دون تدخل عسكري مباشر. مثل ان تساهم أميركا في عودة بعض الديكتاتوريات، ربما في مصر او سوريا، او التعامل مع التي مازالت قائمة منها مثل في إيران. المهم المصلحة الأميركية.
 
هذا هو اليسار الأميركي الموصوف أنه أكثر إنسانية من "المحافظين الجدد" من أهل اليمين: حسابات نفوذ باردة لا يهم فيها حرب أهلية في العراق او مجازر كيماوية في سوريا. المهم الحفاظ على المصالح الأميركية من دون الحاجة الى الاستعانة بجنود اميركيين.
 

اما القاسم الوحيد بين حب اليسار الأميركي للديكتاتوريات العربية وحب اليمين للفوضى وديموقراطيتها، فهو استمرار نزيف الدم العربي وسعي أميركي لا أخلاقي ومستمر بحثا عن مصالح لا يبدو انها تحققت يوما على مدى العقدين الماضيين.