التاريخ: نيسان ٢٥, ٢٠١٥
المصدر: موقع العربي الجديد
كفى تواطؤاً مع الطائفية - لميس أندوني
تؤكد جريمة قتل الأثيوبيين على أساس مسيحيتهم، مجدداً، أن حقول القتل تجعل كل إنسان، وليس كل عربي أو حتى غربي، تحت شعار العداء لأميركا، وكل عامل قطع البحار أو الحدود بحثاً عن لقمة العيش ضحية معبد الكراهية.

كأننا أصبحنا جميعنا أهدافاً مشروعة للحقد الطائفي، وقد يحضر الموت على أيدي من نعرفهم، في لحظة انفجار "الحرب الطائفية" في أي بقعة في العالم العربي، فكلنا أصبحنا أدوات صراعات السياسيين والحكومات حول السلطة والنفوذ، أو أهدافاً متحركة لها.

انتشار الأسلحة بسهولة مريبة يجعل الأمر ممكناً، فلكل حرب تجارها، وأكبرهم تجار الموت. لكن، هناك لحظة يتحول بها شخص لا تاريخ، ولا سوابق له، إلى قاتل متوحش، يجد في الدين والمذهب حجة تشريع الجريمة. ومهما كان نوع الأسلحة، فإنها لا تفتك من دون أن يستعملها الإنسان، وما نراه، اليوم، أن التعبئة والتحشيد الطائفي هي السلاح الحقيقي والأشد فتكاً، لأنها تقنع المئات، بل الآلاف، باستعمال السلاح وتحويلهم أدوات قتل ورعب.

اختلطت المفاهيم، واختفى تقريبا مفهوم الحرب العادلة: إن لم نتعلم أي شيء من الحرب الأهلية اللبنانية، وأهوال القتل على الهوية، وكيف أصبح شبانٌ في مقتبل العمر، وحتى في سن المراهقة، أسلحة مميتة، قد تطال الجار والصديق، فكل من هو خارج الطائفة وحلفائها هدف مشروع.

نتحدث عن داعش وجرائمها، ونتجاهل أن أغلب الأطراف التي تبدو أكثر حضارية تستعمل اللغة الطائفية. وأعيد، هنا، ما كتبته من قبل أن المثقفين والنخب، وليس فقط القادة السياسيون ومدعو الدين، مسؤولون، أيضاً، عن نشر البغض الطائفي. فالنخب، وإن لم تكن جميعها مشاركة حتى العظم، لضعف في الوعي، أو على الأغلب، لتمرير مصالح شخصية في هذا التحشيد، لكن الصادم لي دائما كيف تقع الأغلبية بسهولة فائقة تحت تأثير الخطاب الطائفي.

خلال سنوات عملي الطويلة مراسلة صحفية، وجدتني مشدوهةً أمام التعبيرات الطائفية في أحاديث أصدقاء وزملاء عرفتهم طويلاً، وفي أغلب الأحيان، لم أكن أعرف إلى أي مذهب ينتمون .
كان "التبرير الطائفي" يحل، حينها، مكان النقاش المهني، فبدأت أسمع من زملاء عراقيين عن "الباطنية" لدى الشيعة، أساساً علمياً لتحليل سياسي للأحداث في بلاد الرافدين. أو أن قصف الفلوجة مشروع، لأنه يتناسب مع طبيعة أهلها. للحظات، لم أفهم أنها إشارة إلى أهل الفلوجة بصفتهم "سُنة"، وكانت دائما تنتابني ذكريات لبنانية، أو أستعيد في ذاكرتي من مات ذبحاً، أو بطلقات رشاش على حواجز الفصائل اللبنانية، إبّان الحرب اللبنانية.

أذكر أول مرة دخلت منطقة " كتائبية" في ضواحي بيروت بعد الحرب الأهلية، واكتشف أنني في إذاعة محلية، كانت تبث بيانات الكتائب ضد الفلسطينيين، إذ إن رسالة المارونية السياسية الضمنية هي أن معظم الفلسطينيين مسلمون، ويهدد وجودهم نسبة المسيحيين في لبنان ونفوذهم فيه.

في الحالتين، اللبنانية العراقية، لعب الاستعمار الفرنسي، من خلال خلق قاعدة سياسية مارونية لنفوذه ودستور تقسيم النفوذ بين الطوائف، والغزو الأميركي الذي برر حملته بإنهاء الظلم التاريخي لشيعة العراق، لعبا دوراً في إيقاظ العرقية المذهبية.

نعيش تداعيات تلك التدخلات وسياسات الأنظمة والمؤسسات الدينية، المنتجة للتخلف والكراهية، حتى إن بعضهم يبرر قتل الأثيوبيين أو يسكت عنه، متناسين إنسانيتهم، وأن كلاً منا مشروع قاتل أو قتيل، إذا استمر الصمت على والتواطؤ مع أي قوة تذكي نار الطائفية.