التاريخ: كانون الأول ١٤, ٢٠١٠
 
كيف ابتلعت الانتخابات المصرية مقاعد "الاخوان"؟

بقلم الطاهر ابرهيم


نشرت "قضايا النهار" في عدد يوم 9 كانون الاول الجاري وجهتي نظر مصريتين عن الانتخابات المصرية التي أجريت على التوالي يومي 28 تشرين الثاني الماضي و5 كانون الاول الجاري. وجهة النظر الأولى كانت للدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة صحيفة "الأهرام". أما وجهة النظر الثانية فكانت للدكتور عمرو حمزاوي كبير الباحثين بمؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي.
أما مقالة عمرو حمزاوي فيمكن أن نلخصها بأن الانتخابات المصرية الأخيرة قد خسرت مضامين الشرعية الثلاثة: شرعية المشاركة الشعبية في الانتخابات (كانت المشاركة أقل من 15% بحسب مراقبين محليين ودوليين)، وشرعية نزاهة العملية الانتخابية حيث كان التزوير هو سيد الموقف (شهادات عالمية ومصرية)، وشرعية التمثيل المتوازن بالسلطة التشريعية (هيمن الحزب الوطني على أكثر من 90% من عدد النواب).


أما مقالة الدكتور عبد المنعم سعيد فقد كرسها للهجوم على جماعة الإخوان المسلمين، وتضخيم فشلها في الانتخابات المصرية الأخيرة، وعزا ذلك إلى تراجع التيار الإسلامي في كثير من البلدان العربية والإسلامية، وبالتالي فإن فشل الإخوان في مصر لم يشذ عن السياق العام لهذه التيارات.
هذه النظرية التي ابتدعها الدكتور سعيد وهي أن فشل التيارات الإسلامية انسحب على إخوان مصر، لم يقل به أحد من قبل. من جهة ثانية فإن الدكتور سعيد لم يكن موفقا في إيراد الأمثلة. كما يعتقد أن الفشل في التيارات الإسلامية في إيران والسودان والصومال وأفغانستان وباكستان واليمن ولبنان والعراق يضع هذه البلدان في خطر عظيم.


هذا المثال لاعلاقة له بما زعمه سعيد عن فشل الإخوان في الانتخابات الأخيرة في مصر، لأن التجانس بين تيارات هذه البلدان يساوي الصفر. وعليه فما علاقة إخوان مصر بالتيارات في إيران والصومال واليمن و...؟ ثم لماذا يقفز فوق النجاح الذي حققه التيار الإسلامي التركي، مع أن حزب العدالة والتنمية في تركيا هو أقرب التنظيمات الإسلامية –بعد حركة حماس- إلى تنظيم الإخوان المسلمين الذي ينتشر في أقطار عربية عديدة، وإن ظهر وكأنه لا علاقة له بتنظيمات الإخوان المختلفة، للخصوصية العلمانية التي تصبغ الدستور التركي.


الدكتور سعيد يداور ويناور عندما يضرب المثل بإخوان حركة حماس في الضفة الغربية وغزة. ولأنه لا يستطيع الزعم بأن حماس فشلت في الانتخابات التشريعية فهو يقول: (أخفقت  تجربة حركة حماس في الحكم منذ انتخابها في ‏25‏ كانون الثاني ‏2006،‏ رغم حصولها على ‏76‏ مقعدا بنسبة ‏57.6%‏ من عدد مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، حتى إنها لم تعد على استعداد لخوض انتخابات أخرى‏). فمن أين استوحى الدكتور سعيد بأن حماس لم تعد على استعداد لخوض انتخابات أخرى؟ مع أن إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وغزة جعلته حماس شرطا للعودة إلى الوحدة مع فتح وباقي الفصائل؟ كما أن حماس لم تفشل في الحكم، بل إن السلطة الفلسطينية (وبتحريض من الرئيس بوش الذي رفض أن تستلم حماس رئاسة الحكومة) سرقت نجاح حماس في الانتخابات وسلمت رئاسة الحكومة إلى سلام فياض الذي لا يحظى بدعم حتى في صفوف حركة فتح.


ولو عدنا إلى جولة الانتخابات الأولى التي جرت في مصر وكيف قرأها الدكتور سعيد لرأينا قراءة عجيبة، يقول: (أنه لا يوجد سبب واحد يمكن الأخذ به لتفسير حالة خروج كتلة الإخوان المسلمين خالية الوفاض دون مقعد واحد في الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية المصرية)، والسبب أمامه بيّن وواضح. لو أن الدكتور سعيد (وهو الصحافي الكبير ورئيس مجلس إدارة الأهرام) أعطى سمعه وعينيه لِما قاله المراقبون المصريون ونشرته صحف العالم وأذاعته المحطات الفضائية لعرف أن السبب هو "التزوير". حتى هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أميركا انتقدت بمرارة التزوير الذي حصل في الانتخابات المصرية، مع أن كلينتون ليست من خصوم النظام المصري على كل حال.


إذا كان الدكتور سعيد لم يحسن فهم مقولة المرشد العام للجماعة "المحظورة" الذي أعلن بعد هذه النتائج (أن جماعته انسحبت بعد أن حققت أهدافها كلها‏)، فلأنه لم يكمل ما قاله المرشد في  التصريح نفسه: (ما حدث أثبت أن النظام مغتصب للسلطة مزور لإرادة الأمة مستمر في طريق الفساد والاستبداد) في إشارة إلى التزوير المهول الذي تمت به انتخابات الجولة الأولى.


وقد فسر الصحافي الإخواني صلاح عبد المقصود وكيل نقابة الصحافيين في مصر ما يعنيه المرشد العام، حيث قال عبد المقصود: (إن الإخوان المسلمين لو لم يدخلوا جولة الانتخابات الأولى، لما لجأ النظام المصري إلى التزوير بكثافة كما حصل، لأن خصوم الحزب الوطني الذين دخلوا الانتخابات، من غير الإخوان "مقدور عليهم" كما يقول المثل).


نعتقد أن مقالة الدكتور عبد المنعم سعيد جاءت ضمن علاقات عامة وحملة تبريرية واسعة شنها الحزب الوطني لتبييض صفحته أمام أبناء مصر وأمام الإعلام العالمي ولتغطية ما حصل من تزوير وبلطجة في جولتي الانتخاب. فكيف يحصل الحزب الوطني على نسبة تفوق 90% من المقاعد وسياساته الاقتصادية أدت إلى إفقار معظم الناخبين؟ كذلك فإن هذه النسبة الفلكية تتناقض مع المزاج العام تجاه الحكام، قال الشاعر: "إن نصفَ الناس أعداء لمن   ولي الأحكام هذا إن عدل". 


أخيرا وليس آخرا، كم كان ظريفا أن يعمد الأستاذ  سعيد إلى تشبيه الانتخابات المصرية باصطياد سمكة "القرش" على سواحل شرم الشيخ، فقال: (ربما كانت الصدفة وحدها هي التي واكبت اصطياد سمكة القرش بعد أن أصابت حفنة من ضيوف مصر مع ظهور نتائج الجولة الأولى للانتخابات التشريعية وفشل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في الحصول على مقعد واحد مما ترتب عليه انسحابها من المعركة الانتخابية كلها)‏. ربما يكون من الأفضل عدم التعليق على هذا المثل لأنه واضح الدلالة. فالكل يعرف من هي سمكة "القرش" ومن هم ضحاياها في انتخابات استولى فيها الحزب الوطني على كل مقاعد البرلمان. أما "الفراطة" من مقاعد قليلة فقد تخلى عنها الحزب الوطني عمدا أو نسيانا، فنجت من بين يدي تزوير هذا الحزب العتيد.

 

(عضو بارز في جماعة  الاخوان المسلمين السوريين )