ظل النظام السوري يتعامل مع قضية فلسطين باعتبارها مجرد ورقة، أي كأداة للمساومة والابتزاز لتعزيز موقفه إزاء الأطراف الدولية والإقليمية والعربية، وكوسيلة لتعزيز الشرعية والمكانة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكغطاء لتبرير سياسات الهيمنة وإسكات المطالبات الشعبية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا لم يتوقف على توظيفه قضية فلسطين، والصراع العربي - الإسرائيلي، والمقاومة، إذ شمل ذلك أيضاً استخدامه شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية، التي ظلت مجرد كلمات على جدران الشوارع، وكلازمة في خطابات المسؤولين، إذ لم يبد النظام جدية في المشاريع التي اخذها على نفسه، او ادعاها طوال وجوده في السلطة، بل انه اشتغل نقيضها.
منذ منتصف السبعينات بات لبنان، أيضا، ورقة في يد هذا النظام، إلى حين خروجه (2005)، ثم اضيف الى ذلك العراق، في عهد صدام وبعده، لابتزاز الدول الخليجية، ولتعزيز موقعه إقليميا ودوليا. وحتى العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت ورقة عند نظام الأسد (الأب) إزاء العراق، والنظم الخليجية، مع ان سوريا أضحت ورقة في عهد الأسد الابن، لاختلاف الشخصيتين، وبحكم تغير المعادلات العربية والاقليمية والدولية.
ما يهمنا هنا طريقة تعاطي النظام مع قضية فلسطين، فمنذ البداية دأب على فرض هيمنته على الفصائل، بتشكيل فصائل تابعة له (الصاعقة - القيادة العامة)، أو عبر ايجاد استطالات له داخل بعضها، ومن خلال استخدام وسائل الضغط لفرض املاءاته على الفصائل التي تستعصي عليه. وأصلاً فإن كل قصة "القرار المستقل"، التي شهرتها "فتح" ومنظمة التحرير، في السبعينات، كانت مرصودة تحديدا ضد تدخلات النظام السوري، ومحاولته تطويع المقاومة الفلسطينية لاملاءاته.
معلوم أن هذا النظام أوقف مبكرا المقاومة المسلحة من الجولان (1974)، وأن مواجهته للسياسة الفلسطينية وصلت في بعض مراحلها الى الاصطدام العسكري المباشر في لبنان (1976) وفي الثمانينات عبر حركة "أمل"، وأن تدخلاته وصلت حد محاولة السيطرة على المنظمة، وكل ذلك دفع أبا عمار للذهاب الى تونس بدلا من سوريا، بعد الخروج من لبنان (1982)، وهو ما لم يغفره له حافظ الاسد، إذ طرده من سوريا (1983)، وحظر من يومها اي نشاط للمنظمة ولـ"فتح"، بل إنه أتاح تشكيل بدائل منهما.
ولعل العلاقة بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وحافظ الأسد، تشبه في بعض تفاصيلها سيرة العلاقة بين رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وبشار الأسد، طبعا مع فوارق أساسية في المعطيات، إذ في المآلات دفع الرجلان "الاستقلاليان" الشهيدان باهظا ثمن هذه العلاقة المأزومة.
القصد ان "الورقة" الفلسطينية ما زالت في دائرة الاستخدام وما زال ثمة فصائل تغطي على النظام فظائعه ضد الفلسطينيين، مع حصار وتجويع وتدمير مخيم اليرموك، وغيره، ومع حوالى ثلاثة الاف شهيد فلسطيني سوري، ثلاثمئة منهم قضوا بسبب التعذيب.
|