لن أتحدث عن الماضي العريق والتاريخ التليد للصحافة، والأمجاد المزعومة، كما يحلو لبعضهم الحديث، مستخدمين أفعال الزمن الماضي، فما يعنينا ويهم القارئ هو حال الصحافة الآن. "المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها، لا عن رأي الصحيفة"، "نعمل على إعلاء حرية التعبير بحيادية وموضوعية وتوازن". العبارتان من أدبيات الصحافة العربية، تزينان صفحة الرأي في جميع الصحف تقريباً، مع اختلاف حرف هنا أو كلمة هناك، لكنها تحمل المعنى نفسه، وكما ترى، قارئي الكريم، العبارتان واضحتان، لا لبس فيهما، ولا غموض، ولا شك ولا ريبة. ولكن، هل تلتزم بهما الصحف؟ هل تترك الصحف للكاتب حرية التعبير والكتابة؟ هل فعلاً تعلي حرية التعبير بموضوعية؟ الحقيقة أن جميع المقالات، دائماً، ما تكون في اتجاه واحد، ونغمة واحدة، وإن اختلفت آلات العزف مع هامش صغير لنقد وزير هنا، أو قرار إداري هناك. أما المعارضة الحقيقية لصاحب الأمر، ولسياسة النظام، فدونها المستحيلات الثلاثة، بل هي من المحرمات التي لا يجوز التطرق إليها، تحت دعاوٍ كثيرة، وترسانة قوانين تقيد حرية الكاتب فيما يكتب. فهل هذا ما تهدف إليه الصحف، على الرغم مما تزين به صفحاتها؟ أم أن هناك أمراً آخر؟ لم ولن يحدث على مدى التاريخ كله أن يتفق الجميع على شخص ما، بمن في ذلك الأنبياء والمرسلون، إلا في صحافتنا العربية، فهل يمكن ألا يكون هناك شخص واحد، أو كاتب واحد، وسط عشرات ومئات الكتاب يرفض ويعترض؟ هل يعقل هذا؟
على الجانب الآخر (بعيداً عن الرأي)، دور الصحافة نقل الخبر بأمانة وصدق، وللقارئ الحق في تصديقه وتفسيره، كما يحب، فهل تفعل الصحافة ذلك؟ للأسف، الحدث الواحد تنقله الصحف بأخبار مختلفة، وطرق متعددة، وأرقام متباينة. وعلى سبيل المثال، ما يحدث في سيناء لا يعرف أحد حقيقته، فهل يتم قتل الإرهابيين فقط؟ أم أهل سيناء أيضاً؟ وهل بدو سيناء كلهم إرهابيون؟ وكيف يتم قتلهم أو تصفيتهم؟ وما حقيقة الأعداد التي تقتل يومياً؟ وكذلك، ما حقيقة الأعداد التي يقتلها الإرهابيون، وكيف تتم جرائمهم؟ الأسئلة التي تحيط بالخبر أكبر من الخبر نفسه، فهل هذا ما يجب أن تقدمه الصحف لقارئها؟
وفي النهاية، إذا كان جناحا الصحافة، الرأي والخبر، يشوبهما الشك والريبة، فهل يمكن أن نتحدث عن ماض عريق وتاريخ مجيد؟ |