التاريخ: نيسان ٦, ٢٠١٥
المصدر: nowlebanon.com
سوريّا في عين تونس والحداثيّين - حازم صاغية
ما من شكّ في أنّ ثورة تونس وما آلت إليه سببٌ وجيه للارتياح، ولو أنّ الارتياح هذا لا يزال مشوباً بكثير من الحذر.

فتونس التي افتتحت ثورتُها باقي الثورات، نجحت في تجنّب الحرب الأهليّة - الإقليميّة، كما نراها في النماذج السوريّة والليبيّة واليمنيّة، كما نجحت في تجنّب الانقلاب العسكريّ الذي يعود بالبلاد القهقرى إلى نظام ما قبل الثورة، كما نرى ذلك في النموذج المصري. وهي، على ما يبدو، أفلحت حتّى الآن في إرساء تداول سلميّ للسلطة يطال الإسلاميّين والعلمانيّين سواء بسواء.

لكنّ بعض ما يقلق في ثورة تونس يتمثّل في موقف حكومتها من نظام بشّار الأسد في سوريّا. وقد لا نبالغ إن قلنا إنّ هذا الموقف قد يكون مؤشّراً إلى انتكاسة قد تظهر لاحقاً باتّجاه النموذج المصريّ الذي تراءى أنّ تونس قد تجاوزته.

ذاك أنّ النظام التونسيّ الجديد يقول اليوم إنّه يخطّط لإعادة العلاقات الديبلوماسيّة مع سوريّا، وهو ما بدأ فعلاً بإعادة القناصل، رابطاً بين قراره هذا وبين معالجته للإرهاب، بما في ذلك توجّه ثلاثة آلاف شابّ تونسيّ للقتال إلى جانب التكفيريّين في سوريّا والعراق. 

ومن حقّ الحكومة التونسيّة، بل من واجبها، أن تفكّر في مكافحة هذا الإرهاب، وفي انضمام بعض شبّانها إليه، لا سيّما بعد المذبحة التي شهدها متحف باردو في تونس العاصمة. إلاّ أنّ العلاج الذي ترتئيه إنّما يجمع بين قصر النظر والتعبير عن نوايا ما قبل ثوريّة، إن لم نقل مناهضة للثورة.

فإذا كان العلاج الفعليّ يبدأ بحلول إقتصاديّة – اجتماعيّة لا تحول صعوبتها دون التوكيد على مركزيّتها، فإنّ ما لا ينبغي غضّ النظر عنه هو صلة الإرهاب بالاستبداد، وهي صلة تأسيسيّة لا يبدو أنّ حكّام تونس الجدد يكترثون بها.

فلولا بشّار الأسد ومن يشبهونه من حكّام لتراجعت (ولا أقول اختفت) رقعة الإرهاب، ولضمرت مساحة جاذبيّتها.

بيد أنّ المشكلة مع حداثيّي تونس، بيمينهم ويسارهم، تكمن في اعتقادهم أنّ مكافحة الإرهاب تتمّ عبر أداتين لا ثالثة لهما: جهد أمنيّ مشدّد، ومناظرة فكريّة متواصلة ضدّ التعصّب.

وهاتان أداتان لا يرقى الشكّ إلى أهميّتهما شريطة أن تكتنفهما مقاربة أعرض مفادها الرفض الجذريّ للاستبداد، وإلاّ وقعنا في المعالجة التقنيّة للنتائج من دون التطرّق إلى الأسباب الفعليّة.

والحال أنّ ما يصحّ في حداثيّي تونس يصحّ في معظم الحداثيّين العرب ممّن تحتفي تونس ببعض رموزهم اليوم. فهؤلاء "التنويريّون" قد ينفقون سنوات، بل عقوداً، من أعمارهم وهم يفنّدون التخلّف من خارج أيّة علاقة سياسيّة أو اجتماعيّة قائمة، أي من خارج معظم العتم الذي يُفترض بهم أن يُنيروه. وهم في هذا، لا يتركون أيّ أثر على الواقع المحيط ما عدا ترك الاستبداد هانئاً ومطمئناً إلى إعفائه من كلّ نقد.