في مقالته في "نيويورك تايمز"، التي علق فيها على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، رأى المعلق الأميركي توماس فريدمان أن نتنياهو سيكون "شخصية رئيسية في التاريخ الإسرائيلي" وربما "الأكثر أثرا فيها على الإطلاق"، ليس لأنه أكثر رؤساء وزراء إسرائيل بقاء في المنصب وإنما "لإعلانه أنه لن يسمح أبداً بتحقيق حل دولتين بين إسرائيل والفلسطينيين"، مستنتجا أنه في ذلك "سوف يكون والد حل الدولة الواحدة"، الذي يعني أن إسرائيل سوف تصبح إما ديموقراطية غير يهودية، أو دولة يهودية غير ديموقراطية". طبعا لم يوفر فريدمان في نقده نتيناهو الذي رأى أنه يساهم في عزل اسرائيل والتشكيك بشرعيتها، وفض الاجماع اليهودي المؤيد لها، وضمنه بين اليهود الأميركيين، والأهم أنه يقوض الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، بأخذها نحو أقصى اليمين، وصرف الانظار عن النظم المتطرفة في هذه المنطقة، لاسيما إيران (بحسب رأيه)، بضم الضفة الغربية، وممانعة إقامة دولة فلسطينية.
والحال فإن هذه المقالة، مع غيرها من المقالات الأمريكية، ولا سيما اليهودية - الأميركية، تشير إلى انكسار صورة اسرائيل باعتبارها ضحية، إذ لم تعد خطاً أحمر ليس بالإمكان نقده، وتفيد بأن مسار نزع الشرعية عن سياسات إسرائيل، الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية والقمعية، باتت موضع اهتمام في مختلف الاوساط من أوروبا إلى الولايات المتحدة، لاسيما في أوساط النخب الثقافية والأكاديمية والسياسية.
بيد ان ذلك لا يعفي من ملاحظتين بشأن هذا النوع من النقد، على أهميته: الأولى، أن فكرة "إنقاذ إسرائيل من نفسها رغم أنفها"، والتي اظن ان جورج بول، مساعد وزير الخارجية الاميركية (في عهد الرئيس كارتر ـ اواخر السبعينات) هو اول من نحتها، لم توضع موضع التطبيق، على رغم أن إدارات عديدة تبنتها (من إدارة بوش الأب إلى ادارة اوباما مرورا بإدارة كلينتون). والقصد أن إسرائيل لم تتعرض في تاريخها لأي ضغط أميركي حقيقي لدفعها نحو انهاء الاحتلال، على الأقل، إذ ظلت السياسات الأميركية تحابي اسرائيل، وتراعي حساسياتها، رغم أن ذلك يضر بسمعة الولايات المتحدة وبمكانتها في الشرق الأوسط.
الملاحظة الثانية، انه من المستغرب حقا كيف تلجأ اوساط علمانية وحداثية غربية إلى الدفاع عن فكرة "حل الدولتين"، ليس من باب الانتصار لحقوق الفلسطينيين العادلة والمشروعة، وإنما من باب الانتصار لحل الدولة اليهودية، وذلك عوض أن تدفع هذه الاوساط لحل الدولة الواحدة، الديموقراطية - العلمانية، دولة المواطنين. أي أن العقل السياسي الغربي لا يشتغل هنا على تعميم خاصيته، وانما يعمل على النكوص عن ذلك، للانتصار للعقلية الصهيونية عقلية الدولة اليهودية، وهي بالطبع ستكون دولة عنصرية ودينية، أي عكس مسار التاريخ الذي شقته الحداثة الغربية.
|