فيلم المخرج السوري أسامة محمّد، الذي عُرض يوم الجمعة الماضي في "مهرجان بيروت السينمائيّ"، يستحقّ أن يُرى غير مرّة. لكنْ لا بدّ من إضافة تلك العبارة التحذيريّة التي ترافق بعض الأفلام: "المشاهدة لأصحاب القلوب القويّة فقط". فالفيلم الذي يشتغل على صور اليوتيوب الـ 1001، ويروي علاقة نشأت عبر فايسبوك بين المخرج وفتاة كرديّة سوريّة اسمها سيماف (أي بالعربيّة: ماء الفضّة)، إنّما ينقل عذاباً استثنائيّاً حلّ بالسوريّين جميعاً مع اندلاع ثورتهم في آذار (مارس) 2011، وهذا حين كانت الثورة لا تزال سلميّة تعبّر عن ذاتها بالتظاهر. فساديّة النظام المعمّمة حيال الطفل والشيخ، والمرأة والرجل، والإنسان والحيوان، رواها أسامة محمّد بما يُعيدنا بقوّة إلى تلك الأيّام، ولكنْ أيضاً بما يوجّه الصفعة تلو الصفعة لإنسانيّة الإنسان نفسها. والحال أنّ الرداءة الفنّيّة للصور لم تُضعف رسالتها، بل قد يجوز قول العكس، بوصف تلك الرداءة بعضاً ممّا هو متاح للسوريّين، فضلاً عن أنّ ذاك العالم القاسي لا تعوزه الصور الفنّيّة كي تُبين قسوته. على أنّ ما يُضعف الفيلم قليلاً ما يصاحبه من نصّ يذهب مذاهب شتّى، ولا ينجح دوماً في أن ينأى بنفسه عن الافتعال. لكنْ، وعلى الهامش، يُسجّل لـ "ماء الفضّة" أنّه خلا من كلّ إشارة إلى قضايا تعبويّة وإيديولوجيّة كبرى، كما ذكّر، من دون أن يذكّر، بوجود أكراد سوريّين، من خلال شخصيّة سيماف المركزيّة. كذلك لم يفتْه، في جزئه الأخير، الصعود اللاحق للتكفيريّين و"نظامهم" القروسطيّ العقابيّ. ولا يسع من يشاهد عمل أسامة محمّد إلاّ أن يسترجع صورة كاليغولا كما رسمه فيكتور هيغو. فالطاغية، بين فظائع أخرى كثيرة ارتكبها، أمر بأن تُقطع رؤوس الذين لن يبكوا أخته حين ماتت، إلاّ أنّه أمر أيضاً بصلب الذين يبكونها لأنّها آلهة، إذ الآلهة لا تموت. ذاك أنّ البشر (وهم المواطنون المفترضون) لا أكثر من أرقام مملوكة يمكن خفض عددها أو زيادته تبعاً لرغبة الحاكم. واقع الحال أنّ قسوة النظام الوراثيّ السوريّ، بعشوائيّتها وانتشائها بالدم، حالة مَرَضيّة بحتة تدفع إلى النظر في ما يتعدّى السياسة. ذاك أنّها شيء آخر غير العنف الذي لازم التاريخ الإنسانيّ والاجتماع البشريّ، ووجد بين كتّاب ومثقّفين من يمتدحه أو ينسب إليه الفضائل. فهذا العنف قد يستهدف السياسة، أو يكتفي بإنزال الهزيمة بالعدوّ، أو بقتله، إلاّ أنّ هذه القسوة تعمل على كسر الإنسان في إنسانيّته فيما هي تعامل جسده بالقتل أو التعذيب.
وفي مسيرة القسوة كما يرسمها أسامة محمّد، يعود توحّش "داعش" ليتموضع بوصفه مجرّد فصل ثانٍ في كتابٍ خطّ النظام الأسديّ، غير هيّاب، فصله التوحّشيّ الأوّل والتأسيسيّ.
|