التاريخ: تشرين الثاني ٢٦, ٢٠١٤
الكاتب:
المصدر: nowlebanon.com
الاعترافات بفلسطين
تتوالى منذ أسابيع اعترافات برلمانات أوروبية وحكومات غربيّة بدولة فلسطين. فبعد العديد من حكوماتِ دول أميركا اللاتينية، اعترفت مؤخّراً الحكومة السويدية بـ"الدولة الجديدة"، في حين اعترفت البرلمانات البريطانية والإيرلندية والاسبانية (بأكثريات ساحقة) بها. ويناقش البرلمان الفرنسي الأمر نفسه هذا الأسبوع، ومن المرجّح أن يصوّت بدوره لصالح مشروع الاعتراف.
 
ويترافق توالي الاعترافات المذكور مع ضغوط تقوم بها منظمّات تضامن أوروبية وعالمية مع الشعب الفلسطيني وأحزاب وهيئات حقوق إنسان لتطبيق عقوبات على الشركات العاملة في الأراضي المحتلّة العام 1967. وفي الوقت نفسه، يُطالب برلمانيون أوروبيّون بحظر استيراد المنتجات التي تصدّرها إسرائيل من مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعدم الاكتفاء بفرض ضرائب عليها وتمييزها عن سائر المنتجات الإسرائيلية التي تدخل إلى أوروبا، كما هو حاصل منذ مدّة.
 
وإذا كان كلّ ذلك يبقى رمزيّاً، لا سيّما ما يخصّ الاعترافات البرلمانية التي لا تُملي على الحكومات قراراتها في هذا الصدد، إلّا أن فيه ما يؤكّد أن تبدّلاً نوعياً حصل في أوساط سياسية واسعة وفي شرائح أساسية من الرأي العام العالمي – الغربي خصوصاً – تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الاحتلال والعنصرية الاسرائيليّين. وقد كان التصويت على القرار الأممي في نوفمبر من العام 2012 المعترف بفلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة وحصوله (في الجمعية العمومية) على 138 صوتاً مقابل 9 أصوات معترضة (بينها إسرائيل والولايات المتّحدة الأميركية) وتمنّع 41 دولة عن التصويت، أن أعطى المؤشّر الكبير الأوّل لحجم هذا التبدّل. وأعطى الحراك الشعبي والطلّابي وعمل جمعيات ونقابات وأحزاب وجهد مدوّنين وناشطين في وسائل الاتّصال الاجتماعي في الكثير من بلدان العالم مؤشّراً إضافياً خلال العدوان على قطاع غزة الصيف الفائت، على تبدّل التوازنات وعلى الغضب العام من الصلف الإسرائيلي ومن الحصانة "القانونية" التي تمتّع ويتمتّع بها الإسرائيليون حتى الآن رغم جميع انتهاكاتهم وجرائم جيشهم.
 
ولا شكّ أن الميل هذا سيستمرّ، خاصة مع استمرار حكومة نتنياهو – وبين أعضائها ثلاثة وزراء مستوطنين مقيمين في أراضي العام 1967 – باعتماد سياسات توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي وتشديد الحصار على غزة وعلى الأحياء الفلسطينية داخل القدس الشرقية.
 
لكن المشكلة أن لا قيادة فلسطينية ذات مصداقية أو فاعلية قادرة على الاستفادة من التبدّلات الحاصلة دولياً وتثميرها لصالح مشروع استقلال وبناء دولة، أو حتى لصالح تنظيم مقاومة سياسية وشعبية للاحتلال ومستوطنيه. فالسلطة الوطنية مترهّلة منذ سنوات، و"حماس" متمسّكة بهيمنتها على قطاع غزّة بلا طائل وبممارسات قمعية دميمة، ومنظمّة التحرير إطار صوَريّ لم تعد لمؤسّساته القدرة على إحداث التغيير المرتجى. ولا تكفي تصريحاتٌ جيّدة أحياناً أو جهود أفراد ديبلوماسيّين في الخارج أو كتابات مثقّفين فلسطينيين أو أصدقاء لهم لتعويض غياب دينامية سياسية فلسطينية صاعدة تقابل المزاج الدولي المتحوّل إيجاباً تجاه قضيّتها. لكأن كفاح الفلسطينيين المرير على مدى عقود لا يجد من يقطف ثمرته الآن وهي بدأت تنضج، فيبني بقطافه واقعاً وأملاً بمستقبل الحرّية.

قد تكون هذه المفارقة هي المعضلة الفلسطينية الأولى في المرحلة المقبلة. ولا خروج منها دون دور فاعل للجيل الفلسطيني الجديد في الداخل وفي الخارج، ودون ضغط شعبي على السلطة وعلى حماس لإنهاء حالة التمزّق وطيّ صفحتها أو تجميدها لفترة تحت سقف مشروع وطنيّ فلسطيني، لا يستسلم بحجّة الواقعية، ولا يُغامر بلا حسابات، في لحظة تبدو فيها الظروف الدولية أفضل له ممّا كانت عليه طيلة العقود الفائتة...