لا ينظر العالم الخارجي لبلدنا كما ننظر نحن له. بالنسبة لنا الأردن بلد مستقر وسط اللهيب. لكنه في التوصيف الدولي جزء من إقليم مضطرب، يواجه خطر تمدد الجماعات الإرهابية، والغرق في بحر من اللاجئين. ليس سهلا أن نغير هذه الصورة، رغم الدعم الذي نحظى به من المانحين، والتعاطف من الأصدقاء.
على المدى المنظور هناك مؤشرات قوية على أن أهمية الأردن ومكانته الإقليمية، ستشهد تحولا ملموسا. من الناحية السياسية والأمنية تتعزز مكانة الأردن لدى الحلفاء الغربيين والعرب. في الحرب الجارية ضد الإرهاب على سبيل المثال تفوق مكانة الأردن بالنسبة للولايات المتحدة مكانة إسرائيل. لكن من الناحية الاقتصادية يخسر الأردن جراء الحرب موقعه المتوسط بين دول المنطقة، بوصفه نقطة التقاء لخطوط التجارة، ومحطة انطلاق لمختلف الجهات. لم يعد الأردن قادرا على ان يكون نافذة للمستثمرين صوب الشرق والشمال. النافذة الأردنية صارت مفتوحة اليوم على ساحات الحرب والفوضى في العراق وسورية، وليس كما كانت قبل سنوات جسرا للتجارة والنقل، وحركة البضائع.
من كان من رجال الأعمال يختار الأردن كوجهة استثمارية، كان يأخذ في اعتباره قربه من السوق العراقي، والخليجي، وحركة النقل الآمنة عبر سورية ومن خلالها إلى تركيا ولبنان. مثل هذه الميزات لم تعد متوفرة اليوم.
حتى الأمس القريب كانت فرنسا على رأس الدول الأوروبية المستثمرة في الأردن. لكنها اليوم لا تفكر بالمزيد من الاستثمارات، بل ترسل مقاتلاتها الحربية لتشن غاراتها في العراق انطلاقا من القواعد الأردنية. هذا هو التبدل الجوهري في مكانة الأردن الذي ينبغي النظر إليه بتمعن.
الولايات المتحدة هى الحليف الأهم للأردن، والداعم الأكبر لموازنته، لكن في السنوات الثلاث الأخيرة أصبح الأردن الوجهة المفضلة ليس للاستثمارات الاميركية، إنما الساحة البديلة لمناورات 'الأسد المتاهب' التي كانت تحتضنها مصر في السابق.
إن قسما كبير من المساعدات التي صار يتلقاها الأردن حاليا تذهب لدعم الجوانب العسكرية والأمنية، وليس الاقتصادية أو التنموية.
هذا ليس أمرا سيئا بالطبع، فدعم المؤسسة العسكرية والأمنية يصب في مصلحة الاستقرار الداخلي. لكن نقاشنا هنا ينصب على التحول في نظرة الدول الغربية لدور الأردن في الإقليم. ولهذا التحول في تقدير المحللين أساس موضوعي، لا يملك الأردن أية قدرة على التحكم به.
ببساطة لقد انهارت دول من حولنا، وهى ليست مرشحة لاستعادة عافيتها في وقت قريب، لابل إن دولا أخرى في المنطقة تمضي على نفس الطريق. الإقليم كله مرشح لفوضى مديدة، وحروب أهلية وطائفية، وربما دينية نشهد ملامحها في القدس المحتلة.
الأردن رغب أم لم يرغب سيتحول إلى غرفة عمليات دولية لإدارة صراعات المنطقة وحروبها. ليس بوسعه أن يتصرف كغريب عنها وهو في القلب منها.
لكنّ لهذه المعطيات والتحولات أكلافا باهظة على السياسات العامة للدولة لايمكن تجاهلها، وينبغي التكيف معها. بهذا المعنى يجب التفكير بمراجعة أولوياتنا في المجال الاقتصادي. فرضية الاقتصاد الأردني قامت على فكرة صحيحة؛ جلب الاستثمارات الأجنبية لخلق فرصة عمل، ومن شأن ذلك التخفيف من البطالة، وتحسين مستوى معيشة المواطنين. باختصار هذا الأمر لم يعد ممكنا في ضوء الأوضاع القائمة في المنطقة. لقد شهقت مثل كثيرين عندما قرأت تصريحا لأحد الوزراء يزعم فيه توظيف 60 ألف شاب أردني خلال العام الماضي. البلد بحاجة لمقاربة سياسية واقتصادية جديدة وخلاقة. هل لدى أصحاب القرار شيء بهذا الخصوص؟ (الغد)
|