التاريخ: تشرين الأول ٣٠, ٢٠١٤
المصدر: موقع كل الاردن
ماذا تفضلون؟ - فهد الخيطان
ستُحرج التجربة الديمقراطية في تونس قوى كثيرة في العالم العربي؛ الدول التي دبّرت وموّلت الفوضى في بلدان 'الربيع العربي' على أمل العودة إلى الوراء، والقوى الظلامية والمتطرفة التي انتهزت فرصة الفوضى لتدشن مشروعها الدموي.

التونسيون، بكل تياراتهم وتلاوينهم السياسية والفكرية، لقنوا أقرانهم العرب دروسا لا تنسى. أول هذه الدروس تحريم الإقصاء السياسي بكل أشكاله. لا يمكن للديمقراطية أن تعمر من دون العلمانيين والإسلاميين، ولن يكتب النجاح في المراحل الانتقالية بغير التوافق الوطني. صناديق الاقتراع لا تكفي، والأغلبيات البرلمانية لا تمنح طرفاً الشرعيةَ لحكم البلاد منفردا في زمن التحول وبناء المؤسسات؛ يتعين أن يكون الجميع شركاء في المسيرة.

بدا قادة الأحزاب التونسية أمس وكأنهم في دولة أوروبية عريقة؛ زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، يهنئ رئيس 'نداء تونس' الباجي قائد السبسي بالفوز، ويقر بالهزيمة. السبسي يخرج لوسائل الإعلام ويعلن عن نية حزبه تشكيل تحالف برلماني كأساس لحكومة جديدة.

الخلايا الإرهابية في تونس لم تجرؤ على الاقتراب من مراكز الاقتراع. وحدة التونسيين على هدف واحد عزل الجماعات الإرهابية. وإذا ما كفّت القوى الخارجية عن دعم هذه الجماعات، فسنشهد في وقت قريب انتصار تونس على الإرهاب.

لم يحتج التونسيون للدبابات والقوات الخاصة لصون أمن البلاد؛ بتكلفة أقل، تمكنوا من حماية الاستحقاق الديمقراطي، والتفوق على الإرهابيين.

تجاوز التونسيون الأيام الصعبة. كانوا على الحافة، لكنهم استدركوا، واستخلصوا العبر من التجربة المصرية المتعثرة. وعندما غرقت كل شعوب 'الربيع العربي' بالفوضى، خاصة الجار الليبي، أدرك التونسيون أن الخلاص هو بالمزيد من الديمقراطية المدارة وفق قواعد توافقية؛ لا عزلا سياسيا لأحد حتى من كانوا في عهد زين العابدين بن علي، ولا إقصاء لتيار ما دام يلتزم بقواعد اللعبة.

النساء والشبان نزلوا مرات عديدة إلى الشوارع لتصحيح مسار السلطة الانتقالية. المجتمع، بمثقفيه وطبقته الوسطى ونقاباته، فرض دستورا لا مثيل له في العالم الإسلامي. العلمانيون والإسلاميون تفوقوا على أنفسهم في تونس.

مصلحة العرب جميعا في نجاح التجربة التونسية؛ إنها الرد القوي والبليغ على القوى المتطرفة التي تسلب عقول الأجيال الشابة في دولنا، وتقذف بهم في أتون الموت في سورية والعراق وليبيا واليمن. دولة تنعم بالديمقراطية، في مقابل نموذج 'تنظيم الدولة' الذي بشر بالموت والخراب والحروب الطائفية.

تونس هي التي تستحق بحق أن تتدفق عليها ملايين الدولارت من الدول العربية الغنية، لأن هذا البلد الفتي صارت فيه سلطة شرعية ديمقراطية، ستنفق المساعدات على التنمية والتطوير الاقتصادي، لا على شراء الأسلحة، وتجهيز قوات الأمن لقمع المتظاهرين والتسلط على الشعوب.

وحق، لا بل واجب على المستثمرين العرب، أن يضخوا أموالهم في تونس، وإقامة المشاريع لتوفير فرص العمل في بلد أظهر شعبه على الدوام قدرة فريدة على الاستجابة لتحديات الحداثة، وتقنيات العصر؛ عوضا عن تمويل الجماعات الإرهابية والأنظمة المتسلطة.

في مواجهة الإرهاب والاستبداد، لا تفي طائرات 'التحالف' بالغرض. ينبغي أن يولد في العالم العربي تحالف جديد للدول الديمقراطية؛ فهو وحده القادر على هزيمة الإرهابيين والمستبدين. تونس حجر الرحى في التحالف، لكن من يستحق أن يكون إلى جانبها من الدول العربية؟!
دعونا نأمل يوما برؤية الشباب العرب يلتحقون بدولة تونس الديمقراطية، بدلا من الالتحاق بالجماعات الإرهابية. هل يحاكمون يا ترى مثل الملتحقين بـ'داعش'؟!

(الغد)