التاريخ: تشرين الأول ١٩, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
المغرب: انتخابات وتحديات - محمد الأشهب
الذهاب إلى الانتخابات في المغرب بأكثر من ثلاثين حزباً يعطي الانطباع بقابلية الخرائط للتشتت والبلقنة، أقلها بالنسبة للاشتراعيات، صعوبة قيام ائتلاف متجانس وغالبية منسجمة. فيما تدبير الشؤون المحلية في البلديات يتطلب قدراً من التعايش. غير أن إرهاصات التحالفات الحزبية التي تكاد تستقر عند خطوط التماس بين المعارضة والغالبية برموزها الأكثر حضوراً، تشير إلى تقليص حظوظ الأحزاب الصغيرة. وإن كان الاعتقاد السائد أن نمط الاقتراع عبر القوائم يساعدها في إيجاد مكان ما تحت الشمس.

لم يبدأ النقاش بعد حول نمط الاقتراع، على رغم أن أهميته توازي إجراءات التقطيع الإداري وتنظيف قوائم الناخبين واحتمال تشكيل هيئة مستقلة لرعاية نزاهة الانتخابات، كونه يؤثر بطريقة غير مباشرة في تكييف النتائج. وما من شك في أن التنسيق القائم بين أربعة أحزاب في المعارضة له رمزيته ودلالاته لولا أن السقف الداخلي لبعضها يقطر بالتناقضات والصراعات التي قد تصل إلى انشقاق. فيما أحزاب الغالبية الحكومية لا يتجاوز التنسيق بينها متطلبات الائتلاف الحكومي. لكنها بدت أكثر انزعاجاً من أشواط التحالف الذي برزت معالمه بين الفاعليات السياسية والمركزيات النقابية التي ترغب في إحياء فترات التصعيد، كما في محطات إضرابات عامة، ترتبت عنها قلاقل وأحداث عنف وضعت إلى الخلف بعد التطبيع مع المعارضة.

بين انفراط السلم الأهلي وتموضع المعارضة في خط المواجهة المباشرة، يبدو رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران في معترك لم يكن يتوقعه، وسيكون عليه أن يقفز بحذر وبمهارة على حقول ألغام اجتماعية في طريقها إلى الانفجار. ففي تجارب سابقة لم تكن المواقف الراديكالية للمركزيات النقابية بعيدة من تأثير العوامل السياسية. وعلى رغم اختلاف المعطيات، بما في ذلك تراجع قوة الاستقطاب النقابي، فإن حفظ السلم الاجتماعي يشكل أسبقية ملحة تتطلب تنازلات متبادلة. فالذهاب إلى صناديق الاقتراع وسط أجواء متوترة لا يساعد في تأهيل الوضع السياسي الذي كثيراً ما جرى التغني بأنه يتميز بالاستقرار والأمن.

للحكومة آليات سياسية وإجرائية لنزع فتيل الانفجار، في مقدمها أن الحوار الاجتماعي بين أطراف المنظومة الثلاثية، المركزيات النقابية وأرباب العمل والمقاولات والحكومة، يمثل الإطار الملائم لامتزاج المواقف وإرضاء الشركاء كافة. ذلك أن الحوار الاجتماعي الذي بدأ في تسعينات القرن الماضي كان من بين العوامل الموضوعية التي مهدت للتناوب الوفاقي. وحين طالبت المعارضة بضرورة الإذعان لمطالب فئات العمال جاء من يقول لها: «حسناً تحمّلي المسؤولية الحكومية وافعلي ما عجزت عنه حكومات سابقة». ولا يمكن لحكومة تردد أنها انبثقت من صناديق الاقتراع أن تناوئ مطالب عادلة ومنطقية، فقد تتذرع بضآلة الإمكانات، لكن في إمكانها أن تبرمج التنازلات، ضمن ما تبقى من ولايتها التي تنتهي العام 2016.

في الآليات أيضاً أن منطق الوفاق السياسي حول القوانين التنظيمية والإجرائية ذات الصلة بالاستحقاقات الانتخابية، باستطاعته أن يقلل من درجة الاحتقان السائد. ولعل الموقف الحاسم الذي أقره الملك محمد السادس لجهة إسناد رعاية الانتخابات إلى رئيس الحكومة يدفع في اتجاه الصيغة الوفاقية، بخاصة أن الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة تجعل كل الإدارة رهن إشارته. وبالتالي فإن دور وزارة الداخلية لا يزيد عن الطابع التقني لتنظيم العملية الانتخابية، ما ينزع بوادر الشكوك التي انطلقت من اتجاهات عدة، ضمنها بعض أحزاب الائتلاف الحكومي.

ثمة استقراءات متباينة، تلتقي عند فرضية أن الاستحقاقات القادمة لن تمر في نفس الأجواء، مثل سابقاتها في اشتراعيات العام 2011 التي هيمن عليها هاجس الربيع العربي واستئثار تيارات إسلامية بالحكم. ولئن كان المغرب خرج معافى من تلك التداعيات وأقر حزمة إصلاحات دستورية وسياسية، فإنه لم يغادر منطقة التوتر الاجتماعي، ما يعني أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في استفحال ظاهرة الفوارق بين الفئات والمجالات، وإكراهات البطالة التي تمس فئات الشباب، وعجز منظومة التعليم عن الاستثمار المنتج في الموارد البشرية، تفرض نفسها على الجميع، كونها الرهان الذي يرسخ أسس الاستقرار في أبعاده السياسية والاجتماعية.