التاريخ: تشرين الأول ١٧, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الشروق المصرية
أرقام تضاف إلى أرقام! - عمرو حمزاوي
ليس مطلوبا أن نفكر باستقلالية وبمعزل عن اختيارات وسياسات منظومة الحكم / السلطة فى قضايانا الكبرى، التقدم والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.

بل المطلوب هو أن نواصل جميعا الدوران فى الفلك الرسمى، تأييدا ورفضا، دعما ومعارضة، حديثا عموميا أو بحثا فى التفاصيل.

ليس مطلوبا أن نجتهد فى المجال العام والمجتمع المدنى والجامعات ومنتديات العلم والفكر والثقافة والفن لصياغة وتطوير رؤى موضوعية ومتنوعة (وأحيانا متناقضة) بشأن إدارة / احتواء / تجاوز أزمات الحاضر وعثراته التى سببتها عوامل كالخروج على الديمقراطية وانتهاكات الحقوق والحريات وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانفجارات الإقليمية المتتالية، رؤى لمصريات ومصريين لا تقيدهم المناصب الرسمية ولا علاقات استتباع مع منظومة الحكم / السلطة أو باتجاه المصالح الكبرى والنخب الاقتصادية والمالية ويبتغون صالح المواطن والوطن والدولة والمجتمع دون إنكار لانحيازاتهم الفكرية والسياسية أو تضليل لوعى الناس.

بل المطلوب هو أن نواصل جميعا الدوران فى محيط الرؤية الرسمية أو اللارؤية الرسمية، أن نستهلك طاقاتنا وقدراتنا الفردية والجماعية فى التجاذب بين مواقف مؤيدة وأخرى رافضة، أن نتحول إلى طوائف من المداحين وأخرى من الشكائين، أن نخفق فى مخاطبة الناس بإيجابية تقترح الحلول الفعلية وتصنع الملامح الواقعية لحاضر أفضل ومستقبل مشرق بعيدا عن عجز الاختيارات والسياسات الرسمية، أن نسهم بهذا (بوعى منا أو دون وعى) فى استكمال حلقات سيطرة منظومة الحكم / السلطة على المجال العام والمجتمع المدنى والجامعات والمنتديات ونحكم إغلاقها.

ليس مطلوبا أن نستيقظ فى الصباح بجراءة على طرح أفكار ورؤى جديدة وغير تقليدية، بثقة فى أن نقاشا ما سيتناول هذه الأفكار والرؤى وينزل بها فحصا وحذفا وإضافة وتنقيحا وتقويما ومقارنة ما تحتاجه لكى تقترب من خانات الحلول الفعلية والواقعية، بإيمان فى أن العلم والمعرفة والعقل والخبرات العالمية هناك ينتظروننا لنفيد منهم دون نقل أعمى أو رفض مسبق، باستدعاء مستمر لحقيقة أن مسارات التاريخ الإنسانى تغيرت جذريا بفعل حفنة قليلة من الأفكار الجديدة والرؤى غير التقليدية.

بل المطلوب هو أن نواصل جميعا الدوران فى خانات الاستيقاظ منهكين والشعور بلا فاعلية وانعدام فائدة ما نكتب، أن نستنزف نفسيا وعقليا ونحن نتابع / نراقب انتهاكات الحقوق والحريات ولا نجد أمامنا إلا سلسلة من ردود الأفعال المباشرة، تارة بالتنديد وطلب التضامن مع الضحايا، وأخرى بالتشريح والتحليل والنقد بهدف توعية الناس وثالثة بمطالبة ذات السلطة التنفيذية المسئولة عن الانتهاكات بمراجعة «أفعالها» ودعوتها إلى «الاستفاقة» أو أن يستنزف «الآخرون» وهم يؤيدون ويدافعون ويسوقون المبررات، أن يفقدنا الخوف الشخصى كما القلق العام، القدرة على الطرح الصريح والشجاع للأفكار والرؤى ويخضعنا لمعاول الرقابة الذاتية قبل «مقص» الرقيب الخارجى أو أن تطغى لدى «الآخرين» الرغبة فى الحفاظ على العوائد والمنافع وتقليل «الأخطار» وتدفعهم إلى اجترار قصائد المديح والتغنى بمنظومة الحكم / السلطة «المحقة» دوما، وفى الحالات جميعا يزج بالضمير الفردى إلى غياهب أزمة وجودية ويتعطل العقل ويجرد من الطاقات المستقلة للإدراك والتفكير والتعبير الحر عن الرأى.

ليس مطلوبا أن نعيش ونحب الحياة ونتذوق الجمال ونعشق الأمل فى الحاضر الأفضل والمستقبل المشرق، بل المطلوب هو أن نكون فى عداد الأموات إلى أن نلحق بهم كأرقام تضاف إلى أرقام.