التاريخ: تشرين الأول ١٤, ٢٠١٤
الكاتب:
المصدر: nowlebanon.com
خسارات لبنان
خسر لبنان في أقل من ثلاثة أعوام عدداً من شخصياته العامة الأكثر رصانة وكفاءة. ففي العام 2012، رحل رئيس حركة التجدّد الديمقراطي نسيب لحود والكاتب السياسي نصير الأسعد وكبير الصحافيين والديبلوماسيين اللبنانيين غسان تويني ونقيب المهندسين عاصم سلام. وهذا العام، غادرنا السيد هاني فحص والكاتب منح الصلح والمحامي حكمت العيد، وغيرهم ممّن لا يتّسع المجال لذكرهم.
 
وخسارات لبنان هذه لا تبدو سنّة بيولوجية، تُحال الى السنّ المتقدّمة أو الى الحال الصحيّة للمعنيّين. كما أن الفراغ الذي تُحدثه لا يتمحور نقاشه حول سُبل ملئه أو التعويض عنه. ففي وضعنا الراهن، وفي ظلّ سيادة الهوان والرداءة وانتفاء الشروط التي تتيح مقداراً مقبولاً من تجديد الحياة السياسية ونُخبها، يبدو رحيل أفراد من طينة المذكورين - على تعدّد خلفيّاتهم ومشاربهم ومواقفهم - فقداناً لا عزاء له.
 
أكثر من ذلك، يبدو موت بعض الأفراد وكأنه موتٌ على جرعات لإرث سياسي لبناني ارتبط بجيل أو جيلين. إرث كان فيه للعلم وتحصيله لدى السياسيين والصحافيّين وبعض رجال الدين فضائل. وكانت فيه للعصامية والكفاح والتنوّع مواقع داخل الحيّز العام، إن ضمن التمثيل الطوائفي أو في مواجهة منطقه وتكتّلاته الكبرى. وقد حمل المذكورون وسواهم بقايا هذا الإرث وأبقوا له على هامش حياة كلٌّ في محيطه أو في بيئته الاجتماعية، فأطلّوا من خلاله على الشأن العام اللبناني في مرحلة انحداره المريع...
 
ولعلّ هذا، مضافاً الى مواقفهم المحدّدة، ما جعلهم علامات فارقة في المشهد السياسي بعد انتهاء الحرب الأهلية.

بهذا المعنى، يبدو موتهم في الأعوام الثلاثة الماضية أشبه بنهاية صيغة أو معادلة لبنانية منه بنهاية حقبة.
 
ذلك أن السائد المُهيمن على الأوضاع العامة، الذي طغى على أصواتهم وتجاربهم، فيه من القطيعة مع الماضي (بحسناته وسلبيّاته) الذي مثّلوا الكثير. فمقابل التنوّع والتمايز والتمرّد يجري تكريس أحاديّات التمثيل والتفكير ضمن الكتل الأهلية والدينية والتعبئة على أساس الانصياع للزعامات المركزية فيها. 
 
ومقابل الثقافة وعدم فصلها عن السياسة أو عن الاختصاص المهني أو حتى عن الاجتهاد الديني، تتعمّم الزبائنية وتتراجع العلاقة بين الحقول المعرفية والسياسة الى حدودها الدنيا.

بموتهم إذاً، انطفأت شموع كثيرة. وبموتهم، ازداد لبنان وحشة، ليس لقيمتهم كأفراد فيه فحسب، بل لما مثّلوه أيضاً من استثناءات ربطت إرثاً كان يمكن البناء عليه بواقع ظلّوا فيه دُعاة أمل...