التاريخ: تشرين الأول ١٢, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
... إنها في عين العاصفة الداعشية - عبد الباسط سيدا
تصدّرت مدينة كوباني (عين العرب) الكردية التابعة لمحافظة حلب نشرات وكالات الأنباء، وهي التي لم تكن معروفة لكثيرين، وذلك في مشهد مماثل لما كان عليه الحال بالنسبة الى مدينة شنكال - سنجار في كردستان العراق قبل وقت ليس ببعيد. ومن الحدثين يمكننا أن نستنتج أمرين يلقيان الضوء على مسائل كثيرة.

الأول أن «داعش» يختار الأهداف المضمونة التي تحقق للتنظيم مزيداً من الدعاية بأنه القوة التي لا تقهر. ففي شنكال استغل التنظيم واقع ضعف الدفاعات العسكرية لدى البيشمركه في المنطقة. وحاول في الوقت ذاته أن يغطي حملته الإرهابية بيافطة نشر الإسلام، حتى أن بعضهم خرج على الشاشات ليقول: كل ما نطلبه من الإيزيديين هو أن يدخلوا في الإسلام. وسكت الداعشي عن كل حالات السبي والاغتصاب والذبح والنهب، وهي التي تثير القرف والتقزز لدى المسلمين قبل غيرهم، فما بالك بالإيزيدي الذي يُطالب عنوة بدخول ما يزعمونه اسلاماً، لا يُناسب حتى العصور الحجرية. ومن جانب آخر، من البيّن أن شنكال تحقّق لـ «داعش» تحكّماً أكيداً بالمنطقة الحدودية بين العراق وسورية.

أما بالنسبة إلى كوباني فأصحبت هي الأخرى هدفاً لحملة داعشية شرسة على رغم أن كردها جميعاً، ومن دون أي استثناء، من المسلمين السنّة. ويبدو هذه المرة أن «داعش» استهدف المنطقة بهدف التحكّم بالبوابة الحدودية بين تركيا وسورية وبالتالي تأمين نافذة على العالم الخارجي لعاصمته المنتظرة: الرقة.

وما يستنتج في هذا السياق أن «داعش» كان على علم بحجم القوة العسكرية المتواجدة في المنطقة عموماً، وفي مدينة كوباني على وجه التحديد. وهي قوة تابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، متواضعة قياساً إلى ما يمتلكه «داعش» من جهة الكم والكيف. فالنظام الذي ترك إدارة المناطق الكردية للحزب المذكور، لم يسمح له بامتلاك السلاح الثقيل النوعي والمتطوّر، وإنما أقرّ له فقط بامتلاك ما يمكّنه من ضبط المناطق المعنية المنزوعة السلاح أصلاً.

أما الأمر الثاني الأساسي الذي لا بد أن نتوقف عنده، فهو هذا التحوّل في الموقف الداعشي من الكرد، واستهدافه لهم، بصرف النظر عن العامل الديني، كما جرى ويجري في منطقة كوباني، المنطقة المسلمة السنية، المعروفة بطابعها المحافظ.

فمن الواضح أن القوى الفاعلة في المشروع الداعشي، والمستفيدة منه، ونعني هنا بصورة أساسية النظام السوري وإيران، وبعض الجهات العراقية، أرادت تفجير النسيج المجتمعي في المنطقة، رغبة منها في المصادرة على احتمال تفاهم واقعي بين المكّونين الكردي والعربي السني، بخاصة في العراق، وهو تفاهم لن يكون على حساب أحد، بل سيساهم في تهدئة الأوضاع واستقرارها لمصلحة الجميع.

فبعد الجهود الحثيثة التي بذلها النظام السوري في سعيه الى شيطنة البديل القادم في حال زواله، انطلق مع حلفائه لزعزعة ركائز الاستقرار في المنطقة التي يعلم جيداً أنه لن يتمكن من حكمها مجدداً. وقد تمكّن بفعل علاقاته مع البعثيين العراقيين القدامى، وتواصله مع بعض العشائر ذات البنية الهشة، من دغدغة المشاعر القوموية التي تفاعلت مع الظاهرة الداعشية المقنّعة. وهذه ظاهرة لها أسبابها الخاصة، منها ما يتصل بالإحباط والشعور بانسداد الآفاق، ومنها ما يتصل بالجهل، وعدم القدرة على تحليل المشهد، والوقوف على طبيعة خلفيته، والعوامل المكوّنة له.

واللافت في الصورة بمجملها، أن الهجمة الداعشية على الكرد جاءت بعد أن طرح الرئيس مسعود بارزاني على برلمان كردستان موضوع ضرورة اجراء استفتاء عام بخصوص تقرير المصير، الأمر الذي كان واضحاً منذ البداية أنه يتعارض مع المشروع الإيراني الرامي إلى السيطرة بصيغ ومستويات متفاوتة على العراق كل العراق، وسورية كل سورية.

ويـــبدو أن النظام السوري كان يراهن على سقـــوط كوبـاني بأيــدي «داعـــش»، وهذا ما يُفسر عدم تدخله لمصلحة حزب الإتحاد الديموقراطي، وقوات الحماية الشعبية التابعة لهذا الحزب الذي يفترض أنه حليفه، بل لم يحرّك ساكناً في مواجهة الهجمة الداعشية التي كان على اطلاع على حجمها ومآربها وانعكاساتها. ولعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا ان هذا السقوط المرغوب من جانب النظام، هو جزء من جهوده التفجيرية للنسيج المجتمعي السوري، بخاصة على صعيد العلاقة العربية - الكردية.

وما يُستشف من تصرفات النظام غير المتوازنة، أنه لم يكن يتوقع سرعة الضربة الدولية وحجمها، وهي التي شملت، وما زالت مستمرة، مقرات قيادة وقواعد التدريب والمرافق الحيوية التابعة لتنظيم «داعش». وهذا ما يفسر جانباً من حالة التخبط التي اتسمت بها تصريحات مسؤوليه، وتعلّقهم البائس بأية قشة تمكّنهم من اللحاق بالتحالف الدولي، أو على الأقل إيهام النفس، قبل الآخر، بأنهم جزء منه، أملاً بعملية إعادة تأهيل... بخاصة أنهم يعلمون أن الأمور باتت جدية، ولم يعد في وسع الحليف الروسي أن ينقذهم عبر تعطيل مجلس الأمن، أو مدّهم بأسلحة استخدمت على مدى أكثر من ثلاثة أعوام ونصف عام لقتل السوريين، وارتكاب المجازر التي بلغت ذروتها بجرائم الكيماوي.

الحملة الدولية على الإرهاب ما زالت في بدايتها، ويبدو أنها ستستغرق وقتاً لا بأس به. وهي لن تكون ناجحة ما لم تأخذ في حسابها المعالجة السببية من دون العرضية التخديرية. فـ «داعش» وملحقاته، وأشباهه، هم حصيلة لجهود نظام اتخذ من الإرهاب ركيزة أساسية لتثبيت أركان حكمه، وضمان استمراريته. نظام يمارس الإرهاب في الداخل السوري منذ عقود، وقد مارسه في لبنان والعراق، وهو خبير في ميدان التعامل مع المجموعات الإرهابية يستخدمها أدوات تنفيذ حين اللزوم، وأوراقاً تفاوضية حينما تكون هناك فرصة للصفقات.

وأية معالجة حقيقية للموضوع برمته، تستوجب تشخيص أصل الداء، بغية إبطال مفعوله، إن لم نقل استئصاله، والإ ستكون المعالجة وقتية هامشية، تُستخدم فيها المسكنات التي قد تعطي انطباعاً كاذباً بأن الأمور باتت على ما يرام.

أما العلاقة الكردية - العربية، فكانت، وستكون أخوية، أساسها الاحترام والوئام، وخلفيتها حقائق التاريخ والجغرافيا والثقافة والمصالح المشتركة، على رغم الذين يسبحون ضد التيار.