التاريخ: تشرين الأول ١٢, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
التحالف الدولي من دون أهله - عمر قدور
ثلاثة أسابيع فقط مرت على بدء عمليات التحالف الدولي، وهي مدة إن لم تكن كافية لتقويم نهائي لفعاليته فهي كافية لكشف عيوبه، سواء على مستوى التكتيكات القتالية التي لم تحدِث صدمة أو فرقاً كبيراً على الأرض، أو على صعيد استراتيجية التحالف التي لا تبدو موضع اتفاق بين أهله. مدينة صغيرة، هي كوباني كما يسميها سكانها الأكراد أو عين العرب بتسميتها الرسمية، كانت كفيلة بإظهار تهافت التحالف، كما لو أنه اجتمع على عَجَل ومن دون اكتراث بمسرح عملياته المفترض. في كوباني، يمكن القول إن «داعش» انتصر على التحالف، لا لامتلاك المدينة ميزات لوجستية مميزة، وإنما بسبب كشف المعركة تناقضات التحالف، وأيضاً التفاهمات الضمنية بين بعض أركانه، وإلى حد كبير الاستفراد الأميركي بالملف السوري واعتباره خارج نطاق المساومة مع الحلفاء.

خلال ما يقرب من أسبوعين، اتجهت الملامة إلى الحكومة التركية بوصفها المسؤول عن محنة كوباني، هذا يعني (إذا صح) عدم وجود تنسيق مع الجانب التركي القادر على إكمال المهمة على الأرض. وأن يضع أردوغان شروطه على التحالف، فذلك يعني عدم عضوية تركيا فيه إلا شكلياً، ويعني من جهة أخرى أن الدول الأخرى المنضوية فيه لا تشاطر الحكومة التركية اشتراطاتها، بل تشارك الإدارة الأميركية رؤيتها للموضوع السوري، وهو بدوره افتراض شائك مع وجود دول خليجية لا تخفي توقها إلى إسقاط الأسد. تبقى «مفاجأة» الأطرف وهي اكتشاف وجود حساسيات تركية-كردية تعيق التعاون بين الطرفين على الأرض، أو تمنع الحكومة التركية من مساندة الأكراد بلا ثمن، إن من حزب العمال أو من قيادة التحالف.

معركة كوباني أظهرت سريعاً صعوبة المهمة في غياب شريك قوي على الأرض. وبخلاف المثال العراقي الذي يلعب فيه البيشمركة دوراً واضحاً من حيث التنسيق المباشر مع الضربات الجوية، لا شريك كردياً يؤدي المهمة هنا، ومن الضروري التذكير بفشل جولات إقناع قامت بها جهات دولية لفك الارتباط بين صالح مسلم زعيم الفرع السوري لحزب العمال ونظام الأسد. سيكون ضرورياً أيضاً التذكير بأن المفاوضات مع صالح مسلم لم تقدّم له سلة حوافز مغرية في مقابل فك ارتباطه مع النظام الذي تخلى له طوعاً عن السلطة في المناطق الكردية، وعلى نحو خاص لم يخبر أحد صالح مسلم بوجود قرار دولي بتنحية الأسد وبوجوب التلاؤم مع مرحلة جديدة في سورية. ثم إن استهداف كوباني على هذا النحو، وحتى سقوطها، لا يضير حزب الـ «ب ي د» في شيء على الصعيد السياسي، طالما لن توجه الملامة إليه أو إلى سياساته خلال السنوات الثلاث ونصف الأخيرة.

سيصرّح مسؤول أميركي بأن حماية المدن السورية من السقوط ليست من مهمات التحالف، وسيصرح آخر بأن إنشاء منطقة عازلة غير موضوع على طاولة البحث، بينما يعلن ثالث أن إسقاط الأسد ليس ضمن خطة التحالف. هي رسائل متعددة الاتجاهات، أولاها موجهة للضغط على القيادة الكردية في سورية، وثانيتها للضغط على الحكومة التركية، وثالثتها كأنها لإفهام من لم يستوعب فكرة التحالف على حقيقتها، سواء كان من الحلفاء أو الأعداء. إلا أن فظاظة الرسائل السابقة لا تتوقف عند عدم أخلاقية ترك المدن المحاصرة لمصيرها، أو تهديد أحد الحلفاء بتحميله مسؤولية النازحين الجدد مع عدم وجود أفق لحمايتهم في بلدهم. أهم ما فيها هو استمرار السياسة الأميركية القائمة على تجاهل متطلبات الشركاء المحليين. ولئلا يبدو الأمر مقتصراً على الساحة السورية، تنبغي الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية لم تبذل جهوداً ملحوظة لإيجاد شريك في مناطق سيطرة «داعش»، ولم تضغط بثقلها لإيجاد تسوية عراقية تزيل أسباب تمدد «داعش»، بل تراجعت عن استعجالها الأول في ما خص معالجة الملف العراقي، مجمّدة إياه كورقة تفاوض أسوة بنظيره السوري.

أتت انتقادات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لدول إقليمية، في معسكر الحلفاء، لتكشف فقداناً كبيراً للثقة بينهم، لا يقلل منه اعتذار بايدن عن تصريحاته، ويزيد من ثقله عدم انتقاده دولاً أخرى (خارج التحالف) ساهمت في شكل مباشر أو غير مباشر في بروز «داعش» وتقويته. ولو كانت الانتقادات تعبر عن تباين اعتيادي في الصف الواحد لجرى إبلاغها للمعنيين عبر الطرق الديبلوماسية، ولم تخرج إلى التداول الإعلامي العام.

وضع الشركاء الدوليين ليس أفضل حالاً. التفاهم الأميركي-البريطاني يتأرجح مع تأرجح الحكومة البريطانية بين الحدود الصارمة للسياسة الأميركية والتطلع الفرنسي إلى ما هو أبعد منها. الفرنسيون الذين استنكفوا عن المشاركة في الحرب على «داعش» السوري، لا يخفون امتعاضهم من الحرب «الناقصة» في سورية، وهم أقرب إلى وجهة النظر التركية حيال النظام. الفرنسيون اليوم، بمعارضتهم رؤية الإدارة الأميركية، لا يكررون موقعهم عندما عارضوا حرب جورج بوش على نظام صدام، فهم يُبدون مبدئية أخلاقية وسياسية أعلى من ذي قبل، إذ ليست لديهم مصالح اقتصادية ذات وزن في سورية تتحكم بتوجهاتهم. هم أيضاً أكثر من تُخلخِل تحفظاتُهم الثقة بالتحالف، لأنهم شاركوا من قبل في التحالف ضد القذافي وقادوا الحرب على الإرهاب في مالي، وأي مسؤول أميركي لا يمكنه الانتقاص من صدقيتهم على هذا الصعيد.

أغلب الظن أننا أمام تحالف فريد من نوعه. فهو غير ناجز، لا بمعنى فتح الباب أمام انضمام أعضاء جدد، وإنما بمعنى عدم اتفاق أهله على بنود أساسية وحيوية في المعركة. القول إن الإدارة الأميركية غافلة عن ذلك، أو أنها استهانت بخلافاتها مع الحلفاء، ربما فيه كثير من الاستسهال. فمع المدة الزمنية الفضفاضة الموضوعة للحرب لا يُستبعد أن يمضي التحالف من دون بعض أهله الأولين، وأن تعتمد الإدارة أسلوب التطويع مع الحلفاء المشاغبين، وحتى أن تلجأ إلى سياسة الباب الدوار واستبدالهم بخصوم لهم. أغلب الظن أننا عندما نكون أمام تحالف مفتوح زمنياً، وذي هدف محدود نظرياً، فذلك يضمر عملية سياسية شاقة في داخله، تزداد صعوبتها مع كل سؤال تتركه الإدارة الأميركية بلا جواب.