على الرغم من حالة اليأس والإحباط التي أصابت كثيرين، نتيجة للحالة السلطوية التي تعيشها مصر، فإن ثمة إشارات تأتي من هنا وهناك، تحرك الأمل في النفس، وتبعث بقدر من التفاؤل على إمكانية تجاوز هذا الكابوس السلطوي. منها، ما حدث، الأسبوع الماضي، من اندماج حزب مصر القوية، الذي يقوده الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ومعه قيادات شابة واعدة، مثل محمد المهندس، وأحمد عبد الجواد، والدكتور أحمد شكري، والدكتور هشام الحمامي، ومحمد عثمان، وحزب التيار المصري الذي أسسه ويقوده مجموعة من الشباب الواعي والمناضل، منهم محمد القصاص وشريف أيمن، وكان من أبرز مؤسسيه إسلام لطفي وعبد الرحمن فارس وسامح البرقي الذين تركوا الحزب قبل نحو عام، لكنهم ما يزالون يتشاركون مبادئه، ويسعون إلى تحقيق أهدافه، وأهمها إقامة دولة ديمقراطية حقيقية، تسع الجميع من دون تفرقة أو تمييز.
خطوة الاندماج بين الحزبين تبدو طبيعية، وربما جاءت متأخرة بعض الشيء. فالحزبان يشتركان في أفكار ومبادئ كثيرة، وفي المرجعية الثورية، وهما ينتميان لتيار عريض، خرج من رحم ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ويسعى لتجاوز الانقسامات والاستقطابات الإيديولوجية والسياسية، ويحاول بناء كتلة وطنية مشتركة، تسعى إلى تحقيق أهداف الثورة. كما أن كتلة لا بأس بها من شباب الحزبين ينتمون إلى التيار "ما بعد الإسلاموي"، حسبما يسميه البروفيسور آصف بيات، وهو تيار يتمتع بدرجة عالية من التصالح مع الذات ومع الآخر، ويسعى إلى تجسير الهوة بين منظومة الهوية الدينية والثقافية ومنظومة الحريات والتعددية والديمقراطية، ولا يرى مشكلة في الاحتفاظ بالخصوصية الحضارية لأمته العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه الاندماج في المحيط العالمي، من دون الذوبان فيه أو فقدان هويته. وهو تيار يمارس العمل العام بمفهوميه، الحركي والميداني، بالتواصل مع قواعده ومجتمعه الأوسع، وليس من خلال البيانات والفضائيات، مثلما تفعل بقية الأحزاب والتيارات الكرتونية. وهو التيار الذي يبدو حريصاً على التواصل مع بقية التيارات والقوى السياسية الثورية والإصلاحية الحقيقية، من دون مواقف مسبقة، أو حزازات إيديولوجية، أو طائفية سياسية ما دامت مصلحة الثورة والوطن هي البوصلة والهدف. وهو، أيضاً، التيار الذي دائماً ما يقع تحت نصال المزايدات والتعليقات والانتقادات من تيار اليمين الديني الذي يراه مفرّطاً ومتساهلاً ومبتدعاً من جهة، وتيار اليمين السلطوي الذي يراه متأسلماً ومتأخوناً ومتخفياً تحت رداء الدين من جهة أخرى.
كان اندماج حزبيّ مصر القوية والتيار المصري متوقعاً قبل فترة، ليس فقط بسبب ما ذكرناه عن القواسم المشتركة بينهما، وإنما، أيضاً، بحكم التجربة والواقع. فكثير من شباب حزب "التيار المصري" كان حاضراً ومساهماً بقوة في الحملة الانتخابية الرئاسية للدكتور أبو الفتوح قبل عامين. كما أن كثيرين منهم يتمتعون بالخلفية الحركية والتنظيمية التي تؤهلهم للعمل معاً بشكل أكثر انسجاماً وتناغماً. وهي، قطعاً، خطوة موفقة، من أجل توحيد الجهود والعمل في مواجهة الأصولية السلطوية التي تعمل وفق منطق "فرق...تسد"، وتحاول تفتيت أي عمل جماعي قد يمثل خطراً عليها، وعلى محاولاتها إعادة ترميم نظام حسني مبارك. وما نتمناه أن يكون لدى قيادات الحزبين وشبابهما خطة واضحة حول كيفية التحرك في المرحلة المقبلة، والتي يجب أن تنطلق من دراسة دقيقة ومتأنية للمرحلة الماضية، بكل ما لها وما عليها. كما يجب أن يحافظ الحزب الجديد على ثوريته وتسامحه وانفتاحه، من دون الانجرار إلى المعارك الجانبية وحالة "التصيّد" التي قد يمارسها بعضهم تجاههم، من أجل إشغالهم وإلهائهم عن معركتهم الأساسية، وهي تحقيق أهداف ثورة يناير.
أعرف بعض قيادات هذا التيار العريض وشبابه معرفة شخصية، إما بحكم الدراسة والتخصص أو بحكم العلاقات الإنسانية. وتواصلت مع بعضهم، وما أزال، من أجل فهم ودراسة أفكارهم ورؤاهم حول كيفية إصلاح الأوضاع في مصر. وأجد لدى كثيرين منهم قدراً كبيراً من الوعي والانفتاح والتسامح، يفوق ما لدى من يحظون بلقب "النخبة السياسية" زوراً وبهتاناً، وممن يعيثون في الإعلام والفضائيات لغواً وتسفيهاً وانحطاطاً. وهم لا يختلفون بحال عن كثير من الشباب المصري النقي والمناضل، سواء المستقلين أو ممن ينتمون إلى التيارات والقوى السياسية التي لم تصبها "العقدة السيساوية"، ولم ينل منها فيروس الشوفينية الوهمية التي تروجها السلطة الحالية وإعلامها.
اندماج حزبي مصر القوية والتيار المصري خطوة على الطريق الصحيح لمواجهة الاستبداد، ويعد بمثابة شعلة نور، وسط عتمة الظلام السياسي الذي تعيشه مصر الآن، ورسالة تبعث على الأمل والتفاؤل وسط محاولات التأييس والتحبيط والترهيب التي تمارسها الأصولية السلطوية تجاه الشباب، من أجل إنهاكهم ووأد أحلامهم في بناء مجتمع حر وعادل، ما يؤكد أن ثورة يناير المجيدة لا تزال تنتج ثماراً طيبة، على الرغم من محاولات التشويه والتزييف التي يمارسها السلطويون وإعلامهم الجوبلزي.
خليل العناني أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن". |