التاريخ: تشرين الأول ٧, ٢٠١٤
المصدر: موقع العربي الجديد
تفكير رغبوي في ثورة العشائر العراقية - بدر الإبراهيم
يشير مصطلح "التفكير الرغبوي" إلى تكوين القناعات والاعتقادات حول قضيةٍ، أو حدثٍ ما، بناءً على الرغبات والأماني، وتصور الواقع وفق هذه الرغبات، وتخيلها حقيقةً يُبنى عليها الموقف والفهم والتحليل. يمكن ملاحظة انتشار هذا النمط من التفكير في قراءة الأحداث الجارية في المنطقة العربية، فتحليلاتٌ كثيرة تبث عبر وسائل الإعلام، تجنح للرغبوية على حساب الوقائع، وقد تُستَخدم هذه الرغبوية للانتصار إعلامياً لمشروع سياسي ضد آخر في المنطقة، بسرد رواياتٍ عن الأحداث ترتكز على الأماني. ما حصل في العراق، حين استولى تنظيم داعش على الموصل، نموذج لحالة التفكير الرغبوي الذي سيطر على قطاعات من الجماهير، ومن النخب التي بشّرت بما يسمى ثورة العشائر في العراق.
 
حين سيطرت داعش على الموصل، روج الراغبون بحصول ثورة في العراق ضد النظام الطائفي هناك أن ما يحصل ثورة عشائرية، وكان لا بد من الحديث عن العشائر، ليكون تبجيل الثورة مشروعاً، خصوصاً أن هؤلاء ممن يعادون داعش، ولن يطلقوا على مقاتليه لفظ "الثوار" التبجيلي، على الرغم من أن استخدام مفردة الثورة باعتبارها توصيفاً موضوعياً، لا تبجيلاً وثناءً، يقود إلى استنتاج أن داعش أكثر ثورية من أي فصيل أو مجموعة أخرى، ذلك أن أفراد التنظيم ثوار أمميون، يحاربون النظام الإقليمي، ولا يعترفون بالنظام الدولي ويعادونه.

على الرغم من ظهور صور ومقاطع فيديو لمقاتلي داعش في الموصل، والإعلان عن ضم ولاية نينوى إلى الدولة الإسلامية، وإصدار داعش الأحكام بحق جنود الجيش العراقي الهارب، أصر الرغبويون على إنكار تزعم داعش العملية، فبعضهم قلل من حجم داعش ضمن التحالف الثوري، وأكد أن وزنه لا يتجاوز 30%، وآخرون لم ينكروا وجود داعش القوي ضمن التحالف، لكنهم ركزوا على وجود القوى الأخرى، مبررين التحالف مع داعش (الذي شيطنوه في سورية).
 
وفي الحالتين، كان ترويج ثورة العشائر السائد، فالأساس، في هذا التحرك، هو مقاتلو العشائر الثائرون، وقد وجد هؤلاء في بعض وسائل الإعلام التي روجت الرواية نفسها لأغراض سياسية، دعماً لما يطرحونه، وتم تقديم علي الحاتم، شيخ عشائر الدليم، رمزاً للحالة الثورية العشائرية، ليشرح برنامج الثورة الجديدة، وعلاقاتها بأميركا والعالم، على الرغم من أنه كان يتحدث من أربيل، وليس من الموصل.
 
خفتت التحليلات السياسية التي بُنِيَت على التفكير الرغبوي، مع مرور الوقت، أي مع وضوح سيطرة داعش على الموصل بشكل أكبر، واعتراف وسائل الإعلام التي روجت ثورة العشائر، بعد فترة، أن من يسيطر على الأرض هو داعش. لكن التخلي عن الرغبوية لم يكن سهلاً، وأصر بعضهم على مواصلة التفكير الرغبوي، على الرغم من إعلان البغدادي الخلافة، ووضوح الاختلاف بين منطق دولة تتمدد وتضم الأراضي لسيطرتها، ومنطق قوى تتحالف لإنجاز تغيير في النظام القائم، وعلى الرغم من ظهور البغدادي على منبر أكبر جامع في الموصل، يخطب ويطلب البيعة من المسلمين، وإعلان داعش تطبيق الشريعة وفق فهمه، واتخاذه وحده القرار بخصوص مسيحيي الموصل.

صحيح أن داعش كان رأس الحربة في الهجوم على الموصل، والقوة الكبرى والمسيطرة، عكس ادعاءات من روجوا ثورة العشائر، لكن هذا لا ينفي وجود حلفاء سهلوا لداعش ما قام به، فهناك تقارير تشير إلى تحالف داعش مع قدامى البعثيين، ممن شكلوا ما يعرف بجيش النقشبندية، والذي يتزعمه عزت الدوري، نائب صدام حسين في مجلس قيادة الثورة، وقام هذا التحالف بين طرفين، جمعهما رفض المالكي وحكومته، والسعي إلى ضربها، على الرغم من اختلاف الأهداف، بين البعثيين الذين يريدون العودة إلى الحياة السياسية بإسقاط المالكي، وداعش الذي يسعى إلى إقامة دولة خاصة به.
 
استفاد داعش من البعثيين الذين ظلوا قوة ملتحقة به، أما بعض العشائر فكانت مؤيدة للتحالف، لكنها لم تكن قائدة له، إلا في تصريحات علي الحاتم الإعلامية. نصَّب داعش الجنرال البعثي في الجيش العراقي السابق، أزهر العبيدي، محافظاً على الموصل، وعيّن جنرالاً سابقاً آخر، هو أحمد عبد الرشيد، محافظاً على تكريت. لكن داعش في أوائل شهر يوليو/تموز، بعد أقل من شهر على سيطرته على الموصل، بحسب تقريرٍ مفصّل نشرته مجلة "فورين بوليسي"، اعتقل مجموعة من الضباط البعثيين المتقاعدين، ما أوجد شرخاً في التحالف بين الطرفين.
 
بات الحديث كله عن سيطرة داعش على الموصل، بعد ظهور بوادر تحالفٍ دولي ضده في العراق وسورية، ولم يختفِ الكلام عن ثورة العشائر وحسب، بل راج الحديث عن إعادة إحياء الصحوات ضد داعش. لكن، ماذا عن الذين خُدعوا بثورة العشائر؟ أوصل التفكير الرغبوي أصحابه إلى الانفصال عن الواقع، وتخيل حالة ثورية مفصلة على مقاس الأمنيات الوردية، لا يظهر فيها داعش إلا حالةً ثانوية، على الرغم من كل الإشارات والدلائل التي كانت تقول العكس.
 
ثورة العشائر من نماذج التفكير الرغبوي الذي تبنى عليه تحليلات سياسية، تملأ الإعلام، ومع مشاركتنا أصحاب هذه التحليلات الأماني بإنهاء سطوة الأنظمة المستبدة والطائفية في المنطقة، فإن تحليل الأحداث وفهمها يحتاج إلى ما هو أكثر من التمني ورسم السيناريوهات الخيالية.

بدر الإبراهيم كاتب سعودي. صدر له كتاب "حديث الممانعة والحرية"، و"الحراك الشيعي في السعودية .. تسييس المذهب ومذهبة السياسة".