التاريخ: تشرين الأول ٥, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
المغرب والحرب على الإرهاب - محمد الأشهب
عندما نشر المغرب صواريخ مضادة للطائرات وآليات عسكرية متطورة ذات طابع دفاعي في أماكن عامة استرعت الانتباه، لم يكن بصدد ممارسة تمارين بتوقعات تعرضه لهجمات محتملة، بل كان ينشر منظومة استباقية استندت إلى معلومات ومعطيات تفيد باستهداف أمنه وسلامة رعاياه وتعريض أجانب وبعثات ديبلوماسية إلى مخاطر.

أمام اللجنة المكلفة بالحرب على الإرهاب، عرض مسؤولون مغاربة في ميادين الأمن والانبعاث الروحي والعلاقات الدولية لوقائع مهولة أمام مجلس الأمن، تفيد بأن المغرب كان وسط العاصفة التي لم تترك مكاناً إلا وهبت عليه رياح الإرهاب الأسود العابر للقارات. وزاد في أهمية المعطيات أنها قدمت سجلاً كاملاً بأشكال التعاون وشركاء المغرب لإحباط هجمات انتحارية وأخرى كان يستخدم فيها أسلحة متطورة، لا تملكها عادة إلا الدول. غير أن الانفلات الأمني الذي ضرب ليبيا ومناطق عدة في الساحل جعلها في متناول اليد لدى ميليشيات وتنظيمات إرهابية.

لعلها المرة الأولى التي تكسر فيها الرباط طوق الصمت وتعرض بالأرقام والأسماء والمعطيات أعداد الخلايا التي جرى تفكيكها، وتلك التي تنشط في مناطق التوتر، في العراق وسورية والصومال والساحل وأفغانستان، وضمنها تنظيمات استقطبت رعايا مغاربة كانوا في غالبيتهم معتقلين سابقين على خلفيات الهجمات الانتحارية التي عرفتها الدار البيضاء عام 2003. ومن بينهم نشطاء مروا من معتقل غوانتانامو. لم يجد المغرب أي حرج في الإقرار بأن انتساب هؤلاء إليه إنما يزيده إصراراً على الانخراط كلياً في الحرب على الإرهاب. فقد تحدث المسؤول الأول عن الاستخبارات الخارجية محمد ياسين المنصوري بكل صراحة ووضوح، وترك المعطيات تنوب عن جهود بلاده في خوض هذا التحدي الكوني الذي دفع إلى قيام تحالف فريد من نوعه، يروم اجتثاث منابع الظاهرة الإرهابية.

بالقدر ذاته توازى المنظور الأمني في التصدي لتنامي ظاهرة المقاتلين «الجهاديين» مع رؤية دينية لخصها وزير الشؤون الإسلامية في اصطفاف الشرعيتين الدينية والسياسية ورفض استخدام الدين لأهداف تنحرف عن مقاصده في إشاعة الأمن والسلم والتعايش والاستقرار ومنهجية الاعتدال، ذلك أن القراءة المغلوطة للنصوص الدينية وسوء تأويلها عبر إجازة استخدام العنف والإرهاب تعتبر من أبرز العوامل التي ساعدت في استشراء التطرف والإرهاب. فيما انصرف المحور الثالث في استكمال عقد المواجهة الشاملة إلى دعم خيار التنمية المتكافئة والعدالة الاجتماعية ونشر قيم الإخاء والتضامن، بما يعنيه ذلك من ضرورة استتباب السلم العادل وفض النزاعات واحتواء فتيل الانفجارات في بؤر التوتر.

ثمة ترابط بين حلقات الظاهرة الإرهابية. وإذا كان مجلس الأمن أقر خطة لحظر المتطوعين في صفوف التنظيمات الإرهابية، فإن وجود مناطق توتر ونزاعات مسلحة عرقية أو طائفية أو مذهبية يعتبر بمثابة مركز جاذبية للمغامرين الذين تستهويهم التجربة، على رغم فداحتها ووحشيتها وانتهاكها الحرمات والأصول الاجتماعية والأخلاقية والدولية. فالأزمات تتوالد من بعضهما وغياب المعالجات الموضوعية الشاملة للنزاعات المستدامة، من بين الأسباب التي أفسحت في المجال أمام تنامي أعداد المقاتلين، يضاف إلى ذلك تأثير عمليات الاستقطاب التي تستخدم الوسائل التكنولوجية المتقدمة.‬

أي مقاربة لا تضع في الاعتبار إشكالات الظاهرة الإرهابية المتنامية، يصعب أن تحقق أهدافها، فالحرب على الإرهاب اجتازت مراحل عدة، توزعت بين البعد العسكري والأمني، وتشديد الرقابة على انتقال الأموال وأشكال الدعم، لكنها لم تتمكن من قطع دابر الظاهرة. بل إن وقوع أفواج من الشباب بخاصة أولئك الذين يعيشون في المهجر تحت أسر إغراءات مغلوطة وغرائز متباينة، يشير إلى أن المعركة ما زالت في بدايتها، فهي مثل الجريمة المنظمة لا تنتشر إلا ضمن مراتع خصبة، كما هو الحال في عالم المخدرات والتجارة المشبوهة في البشر والبضائع والمنتوجات.

يستخدم الإرهاب أقصى ما وصل إليه العقل المتحضر، فقد تحولت الطائرات إلى أسلحة تفجير، ونبتت للعربات مدافع ورشاشات وأفخاخ، بعد أن كانت وسائل نقل، كما الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. غير أن التنسيق بين أشكال المقاربات الدينية والأمنية والسياسية، لا يحول دون الاعتراف بغياب تنسيق مغاربي في هذا الشأن. ولعل الرسائل التي حملها الوفد المغربي إلى اللجنة الدولية لمكافحة الإرهاب تكون حافزاً وراء معاودة إحياء التنسيق، أقله على الصعيد المغاربي. بخاصة أن المنطقة تواجه تحديات واضطرابات وفوضى لن تقف عند حدود الساحل أو الفضاء الليبي، بل هي مرشحة لأن تتمدد كما الظاهرة الإرهابية التي تحولت إلى جحيم «أممي».