التاريخ: تشرين الأول ٥, ٢٠١٤
المصدر: موقع عمون الاردني
إرث إسرائيل الاستخباري.. كيف وقعنا المعاهدة؟ - فهد الخيطان
على المستوى الرسمي الأردني، كان توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل يعني نهاية الصراع، وكل أشكال العداء بين الجانبين. شعبيا، لم يكن الأمر كذلك بالطبع، لكن المعاهدة أصبحت قانونا في الأردن وفي إسرائيل.

إنهاء حالة العداء بين الطرفين من الناحية الرسمية والقانونية، يعني من بين أشياء كثيرة، تصفية الإرث الاستخباري لعقود العداء. لا نعلم إن كانت طواقم المفاوضين الأردنيين قد بحثت هذا الملف قبل توقيع معاهدة وادي عربة. لكن ما تبين مؤخرا من أجهزة تنصت زرعتها إسرائيل في الأردن، وتم كشفها بالصدفة بعد انفجار طريق الخالدية-المفرق، العام الماضي، يؤكد أن طواقمنا التفاوضية لم تعالج هذا الملف إطلاقا.

من المستغرب أن يكون موضوعا كهذا غاب عن أذهان المفاوضين العسكريين والأمنيين في ذلك الوقت؛ فطوال سنوات الصراع مع إسرائيل، كانت خطوط الاتصال العسكرية والمدنية هدفا للاستخبارات الإسرائيلية. وقد تمكنت القوات المسلحة الأردنية في عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي من كشف العشرات من عمليات التنصت والتجسس.

يعود الدكتور منذر القسوس، الذي خدم سنوات طويلة في القوات المسلحة، بالذاكرة إلى العام 1968؛ حين كان يخدم في مستشفى الزرقاء العسكري، وحضر إليهم في أحد الأيام ثلاثة خبراء عسكريين مصريين استعان بهم الجيش الأردني، وهم يحملون صناديق مموهة بمادة تشبه شمع النحل، و"فناجين" كانت تستخدم قديما لأعمدة الاتصالات الهاتفية، طالبين تصويرها على جهاز الأشعة الموجود في المستشفى للتأكد من محتواها.

وقد أظهرت الصور بالفعل أن بداخلها أجهزة تنصت إسرائيلية. وصادف في اليوم التالي لهذا الحادث خطاب للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، كشف فيه عن تلك المحاولة الإسرائيلية للتنصت على خطوط اتصال القيادة العسكرية الأردنية مع نظيرتها العراقية في بغداد.

وتوالت بعد ذلك عمليات الكشف عن اختراقات إسرائيلية عديدة لمنظومة الاتصالات الأردنية. لكن، وكما يبدو من تطورات الأحداث، فإن إسرائيل استغلت سنوات الفوضى التي عاشها الأردن أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، وتمكنت من زرع أجهزة التنصت في مواقع كثيرة.

وقد ذكر رئيس هيئة الأركان المشتركة في المؤتمر الصحفي قبل أيام، أن أجهزة التنصت في منطقة عجلون وضعت العام 1969. في ذلك الوقت، كانت أغلب تلك المناطق حرجية، وتسيطر عليها مجموعات مسلحة محسوبة على المنظمات الفدائية.

لقد استثمرت إسرائيل تلك السنوات لتوسيع نشاطها الاستخباري في الأردن، ونجحت في تسجيل اختراقات أمنية مهمة، تطلب علاجها سنوات بعد استتباب الأمن في الأردن، وسيطرة الجيش على الموقف.

من المعروف أن معاهدة وادي عربة تتضمن ملاحق أمنية وعسكرية لم تكشف تفاصيلها للرأي العام. وقد أسست تلك الملاحق لعلاقات التعاون الثنائي فيما بعد. بيد أن حفريات عجلون كشفت لنا أن إسرائيل أخفت نشاطها الاستخباري تحت الأرض، وأن مفاوضينا "الأشاوس" تجاهلوا عقود العداء مع إسرائيل، واستعجلوا التوقيع على المعاهدة وملاحقها من دون أن تلتزم إسرائيل بكشف تجاوزاتها على الأمن الوطني الأردني.

هل يمكن اعتبار موقف إسرائيل بعدم الكشف عن أجهزة التنصت التي زرعتها في الأراضي الأردنية، خرقا لمعاهدة السلام؟

منطوق المعاهدة يقول إن على الأردن تسجيل هذا الموقف. هذا أقل ما يمكن أن نفعله. 

الغد