التاريخ: تشرين الأول ٤, ٢٠١٤
المصدر: ملحق النهار الثقافي
لبنان التنوّع في مواجهة الجهاد التكفيري - مسعود ضاهر
نُشرت دراسات كثيرة حول هيمنة الفكر الديني على الحياة السياسية العربية بصورة أكثر حدة بعد تفجر الإنتفاضات العربية لعام 2011. مع إضعاف الدولة المركزية العصرية أو تغييبها في بعض الدول المنتفضة، باتت الحياة السياسية أسيرة انفلات الغرائز الطوائفية التي تجاوزت المؤسسات الدينية الكبرى، وأطلقت العنان لمقولات شديدة الخطورة على الدين الإسلامي أولا، وعلى بقاء الدولة المركزية القائمة، تحت ستار خادع من إيديولوجيا زائفة تبشّر بعودة خلافة إسلامية جامعة تقضي على التقسيمات الجغرافية، والعرقية، والثقافية، والقبلية.

لم تحظ هذه الظاهرة حتى الآن بدراسات جدية تتجاوز المقولات التقليدية حول الدين الإسلامي كدين دولة. ولا بد من وصف ما يجري الآن من حروب داخلية عربية ذات أبعاد إقليمية ودولية بالغة الخطورة من خلال ارتباطها الوثيق بعصر العولمة والصراع القائم حالياً بين زعامة القطب الأميركي الواحد والتعددية القطبية، مما يستوجب طرح أسئلة منهجية حول وظيفة تلك الحروب في المرحلة الراهنة. فالقراءة التقليدية لعلاقة الدين الإسلامي بالدولة لم تعد كافية، بل تتطلب أيضاً تحليل الصراع الدائر حاليا بحدة بين أوهام بناء الدولة الإسلامية بأسلوب دموي يعيد التذكير بالفتوحات الإسلامية الأولى وموروث نشر الإسلام بالكلمة عند مَن يقبله، وبالسيف عند َمن يرفضه من جهة، وبين موجبات قيام أنظمة ديموقراطية علمانية تتلاءم مع طبيعة عصر العولمة، وتفيد من ثورات العلم والتواصل والإعلام من جهة أخرى.

ما هو مستقبل لبنان؟

هي قراءة نقدية بعيون الحاضر وصولاً إلى طرح مهمات معاصرة يتوقف عليها مستقبل دول عربية كثيرة، وفي طليعتها لبنان المتعدد الطوائف والقوميات والمتنوع الثقافات. فما هو مستقبل لبنان اليوم بعد غزوة "داعش" لأجزاء واسعة من العراق وسوريا وإعلان دولة الخلافة الإسلامية وتعيين أمير منها على لبنان؟ وأين موقعه من التحالف الدولي بزعامة أميركية وبمشاركة أكثر من أربعين دولة لضرب تنظيم "داعش" من الجو وفق مسرحية جوية لم تكتمل فصولها بعد؟

نشير أولا إلى أن الطائفية في لبنان لم تكن مجرد ظاهرة سياسية تبلورت في إطار مشروع امبريالي غربي لتفكيك السلطنة العثمانية من الداخل بل رافقت التبدلات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وباتت اليوم أكثر قوة في عصر العولمة عما كانت عليه في جميع الحقب السابقة من تاريخ لبنان، فتحولت إلى عصبيات دينية بأبعاد سياسية وثقافية وإجتماعية، وأفادت منها الدول الإستعمارية الأوروبية في تأجيج الصراع على السلطة تحت لافتة التحرر من السيطرة العثمانية الطويلة، وبناء نظم الحداثة والمعاصرة التي تأثرت بالثورات الصناعية والعلمية في أوروبا. بالغ بعض الباحثين في إبراز دور المسألة الطائفية حين ركّزوا على أثر العوامل الخارجية في تحويل الظاهرة الطائفية المستقرة إلى طائفية متفجرة، من دون تحليل معمق لدور العوامل الداخلية التي شهدتها المقاطعات اللبنانية في القرنين التاسع عشر والعشرين. لعل ابرز تجلياتها:

أولا: تجربة الثنائية الطائفية بين الدروز والنصارى في مرحلة القائمقاميتين التي أفضت إلى فتن داخلية وانتفاضات فلاحية، ومجازر طائفية بين الدروز والموارنة في العام 1860.

ثانيا: تجربة التعددية الطائفية في إشراف عثماني وأوروبي في عهد المتصرفية، التي قادت إلى استقرار داخلي، وتبدلات اقتصادية واجتماعية وثقافية إلى أن أزالها الأتراك في مطلع الحرب العلمية الأولى التي شهدت مجاعة كبيرة أودت بحياة أعداد كبيرة من سكان جبل لبنان بسبب الحصار البري والبحري من العثمانيين والأوروبيين معاً.

ثالثا: قيام دولة لبنان الكبير في العام 1920 بحدودها الحالية وبدعم فرنسي مباشر، وقد انتهت بإعلان استقلال لبنان في العام 1943 بعد تحولات مهمة شهدها المجتمع اللبناني على مختلف الصعد، ولا تزال آثارها فاعلة حتى الآن، من حيث انتشار المقولات العلمانية، والديموقراطية، والحياة الدستورية، والتنظيمات الإدارية والمالية والتربوية، وغيرها.

لكن الإدارة الفرنسية التي تعتبر الوارث الشرعي لمقولات الثورة الفرنسية التحررية في أوروبا والتي كان من أبرز أعمالها منع تدخل رجال الدين في السياسية، أو إقحام المقولات الدينية في الدساتير العصرية، لم تكن أمينة لتلك المقولات بل اعتبر أحد قادتها أن العلمانية الفرنسية ليست سلعة قابلة للتصدير إلى لبنان.

مع ذلك، لعبت التبدلات الديموغرافية والإقتصادية والإجتماعية في لبنان إبان الإنتداب الفرنسي دوراً بارزاً في عملية التحديث التي بدأت إبان حكم محمد علي لبلاد الشام، وما أعقبها من إصلاحات متنوعة طالت جميع الطوائف في بلاد الشام، بدرجات متفاوتة وبصورة أكثر جذرية وليبيرالية في بيروت وجبل لبنان. بدأت الحركات الشعبية ترتدي وجهاً تصادمياً بين القوى الداعية إلى الإصلاح والتغيير ورفض التدخلات الخارجية من جهة، ومحاولة القوى التسلطية اللبنانية قمع القوى الداخلية المنتفضة بالقوة، مستخدمةً كل الوسائل المتاحة، وفي طليعتها الفتن الطائفية، من جهة أخرى.

زاد في حدة الأزمات الداخلية أن القوى العلمانية الجديدة تبلورت لدى الطوائف المسيحية قبل سواها من الطوائف التي يبلغ عددها تسع عشرة طائفة يرغب زعماؤها بالمشاركة الفاعلة في إدارة دفة النظام السياسي الطائفي في لبنان. وتعززت مكانة بيروت الإقتصادية بالتعاون الوثيق مع بورجوازية الحرير الناشطة في جبل لبنان. وارتبط بعض زعماء الطوائف بعلاقات اقتصادية متينة مع مراكز التجارة العالمية، ومنهم من لعب دور الوسيط التجاري بين جبل لبنان وأغنياء الداخل السوري من جهة، ومراكز الرساميل الأوروبية من جهة أخرى. تأثرت نخب الطوائف في لبنان كثيراً بالثقافة الغربية من خلال المدارس المحلية والإرساليات الأجنبية التي كانت تدرّس العلوم العصرية واللغات الأوروبية، واحتدم الصراع على السلطة والنفوذ داخل الطوائف المحلية وتحددت معه طبيعة النظام السياسي الطائفي في لبنان المستقل. ولعبت النزاعات الطائفية بين زعماء الطوائف دوراً بارزاً في حماية مصالحهم في الدرجة الأولى.

بعد تفجر الانتفاضات العربية في العام 2011، باتت العلاقة بين زعماء الطوائف في لبنان شديدة التقلب، وتركت آثاراً سلبية في الأزمات الإقتصادية والإجتماعية المتزايدة داخل المجتمع اللبناني، مما أدى إلى تحول قوى أساسية في لبنان إلى قوى مذهبية تستخدم جماعات مسلحة تمارس أساليب دموية لم تكن مألوفة في تاريخ لبنان بعد الإستقلال. لعبت دول كبرى، إقليمية وعالمية، دوراً بارزاً في ضرب ركائز الدولة العصرية في دول عربية باتت عرضة للإنهيار على غرار ما جرى في ليبيا، واليمن، والعراق،وسوريا. برز خلل حاد داخل الطوائف اللبنانية على مختلف الصعد، مما ساعد على إضعاف النظام السياسي اللبناني، وتراجع دور النخب السياسية العصرية لصالح قوى اصولية تكفيرية متفلتة من جميع الضوابط، وتلقى دعماً مالياً كبيراً من دول نفطية عربية، ومن دول إقليمية وعالمية ذات مشاريع معادية للوحدة العربية وللعروبة الحضارية الجامعة.

"داعش" اللبناني

يعيش لبنان اليوم تحت وطأة مواقف داخلية بالغة الخطورة تزامنت مع بروز قوى أصولية تكفيرية تعادي جميع الأديان، وفي طليعتها تنظيم "داعش" الذي أعلن قيام الخلافة الإسلامية في العراق وبلاد الشام وبات يهدد ركائز البنى السكانية والإقتصادية والإجتماعية في المشرق العربي. فقد استخدم القتل على الهوية المذهبية والعرقية لتهجير طوائف أو جماعات بأكملها من مناطق وجودها حيث كانت تقيم منذ قرون عديدة في ظل أنظمة إسلامية معتدلة كانت تحترم التنوع والتعددية في داخلها. وبشّر بمقولات طوباوية لا صلة لها بأي دين. واعتمد أساليب الإرهاب والتنكيل بالجماعات السكانية لبسط سيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق والتحكم بمواردها الطبيعية للتمويل الذاتي. انتجت الطائفية المتفجرة التي ارتبطت بمشروع إستعماري جديد لتوليد الشرق الأوسط الكبير بقيادة أميركية – إسرائيلية، تنظيم "داعش" الذي تحول بسرعة فائقة إلى عصبيات مدمرة تهدد قيم الدين الإسلامي. لا بد من النظر إلى تلك العصبيات القاتلة اليوم بعيون الحاضر لفهم ما آلت إليه العلاقة الملتبسة بين الدين الإسلامي والدولة العربية العصرية إبان ولادة المشروع الصهيوني وتطوره على أرض فلسطين. فطوال أكثر من مئة عام لم ينتج شعار الوحدة على أسس دينية سوى عصبيات مذهبية قاتلة. اللافت أن بعض العصبيات الدينية لم تتخذ عبراً من دروس التاريخ، بل تصر على قيام دولة دينية وفق أوهام إيديولوجيا غير قابلة للتنفيذ، ولا مكان لها في عصر العولمة والمجتمعات التعددية والشديدة التنوع.

لقد زادت تهديدات "داعش" من حدة التناقضات الداخلية التي باتت تهدد ركائز الدولة الوطنية في لبنان ودول عربية أخرى. ويشكل تحول العصبيات المتفجرة إلى مذهبيات مدمرة مؤشراً فاضحاً إلى عجز القوى السياسية الحاكمة عن بناء دول مدنية ديموقراطية تتلاءم مع طبيعة عصر العولمة وتحدياتها الكثيرة. وبعدما فشلت القوى العلمانية اللبنانية في منع إقحام الدين في السياسة، تزايد توظيف الدين لمصلحة قوى سياسية قمعية تمنع قيام دولة عصرية. وعجز زعماء الطوائف في لبنان عن القيام بأيّ إصلاح سياسي أو إداري حقيقي بسبب التمسك بمقولات إيديولوجية ذات طابع مذهبي معادٍ للديموقراطية والعلمانية معاً، مما شجع تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات التكفيرية المدعومة من الخارج على التخطيط لضرب ركائز الدولة اللبنانية الحالية، تمهيداً لتفكيكها ومنع قيام دولة مركزية مدنية وديموقراطية قادرة على بناء الوحدة الداخلية في لبنان ومواجهة كل أشكال التعصب الديني والعرقي.

يحمل التمدد العسكري السريع والخاطف لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" منذ مطلع حزيران 2014 دلالات سياسية وعسكرية ذات أبعاد بالغة الخطورة على لبنان واللبنانيين. وتصاحبه مشاهد مروعة من العنف الهمجي الذي لا يمت بصلة إلى القيم الدينية أو الأخلاقية أو الإنسانية، ويلقي ظلالا مرعبة على الحياة اللبنانية التي تعاني من أزمات سياسية وأمنية وإقتصادية وإجتماعية حادة في ظل وضع سياسي داخلي مأزوم، وطبقة سياسية فاسدة ومرتهنة إلى الخارج الإقليمي والدولي.

ثم تزايد قلق اللبنانيين على مصيرهم ومستقبل وطنهم بعدما اتخذ تنظيم "داعش" قراره غزو لبنان، فأرسل أعدادا متزايدة من الإنتحاريين لنسف ركائز الأمن والإستقرار فيه بدءاً من ضرب أجهزته الأمنية، ومؤسساته العسكرية، وصولاً إلى تدمير أهداف سياحية ودينية، واغتيال شخصيات سياسية كبيرة. ومع ارتفاع منسوب الخوف من عمليات نوعية يقوم بها هذا التنظيم في بعض المناطق اللبنانية تمهيدا للإجتياح الكبير وتحرير المعتقلين "الداعشيين" من سجن رومية المركزي ثم تدميره بالكامل، والعمل على إسقاط النظام اللبناني بالقوة العسكرية، بات اللبنانيون في حالة قلق شديد على وجودهم ومصير وطن الرسالة كدولة مستقلة ذات سيادة على كامل اراضيها. فخلال فترة وجيزة أصبح تنظيم "داعش" أكثر التنظيمات الإرهابية خطورة في الشرق الأوسط، وهو يتحرك بحرية واسعة على الجغرافيتين العراقية والسورية، ويهدد باجتياح لبنان عبر عمليات إرهابية تستهدف السيطرة على مواقع استراتيجية من شأنها أن تزعزع أمن لبنان واستقراره وتهدد سلمه الأهلي، والعيش الوطني المشترك بين اللبنانيين.

في المقابل، اتخذت القوى الأمنية اللبنانية إجراءات أمنية استباقية في معظم المناطق اللبنانية، ودهمت العديد منها. وتنشر دورياً تقارير متفائلة تؤكد أن التدابير الأمنية المشددة التي اتخذها الجيش اللبناني والقوى العسكرية الأخرى تطمئن جميع اللبنانيين على سلامة بلدهم. وبادرت قوى وطنية تنتسب إلى طوائفه وأحزاب سياسية متنوعة إلى مساعدة القوى الأمنية على حماية لبنان، وصون وحدته الوطنية، والتصدي للإرهاب التكفيري، ومنع "داعش" بالقوة من اجتياح لبنان وضمّه إلى دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام.

تحركت الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي يضم أربعين دولة لمحاربة الإرهاب المعولم الذي ساهمت مع حلفائها في ولادته وتمويله وتسليحه. ويبدو أن تنظيم "داعش" خرج عن الحدود التي رسمها له الأميركيون وبات يهدد دول منطقة الشرق الأوسط وشعوبها، ومصالح أميركا في آن واحد. ولم تنتظر موافقة الأمم المتحدة لإتخاذ قرار دولي بمكافحة الإرهاب المعولم بل بدأت طائراتها بشن غارات جوية على مقاتلي "داعش" في العراق لمساعدة الجيش العراقي والقوات الكردية، ولإستعادة السيطرة على سد الموصل الاستراتيجي. عند بدء الغارات على مراكز "داعش" في سوريا أكد أوباما أن الحدود الجغرافية القائمة لا قيمة لها. فالضربات العسكرية ستشمل جميع اماكن "داعش" من دون النظر إلى سيادة الدول التي تقيم على أراضيها، والهدف منها طرد "داعش" وتقوية المعارضة السورية المعتدلة. وبشّر بأن الحرب ستطول لسنوات عدة حتى تغيير ميزان القوى في سوريا، على غرار ما جرى في العراق.

ذلك يطرح تساؤلات عدة حول الدور الموكل للإرهاب الدولي المعولم في نظام عالمي يشهد تحولاً ملحوظاً من أحادية القطب الأميركي إلى نظام عالمي متعدد القطب. أظهرت حروب التهجير التي يشنها "داعش" ومنظمات تكفيرية أخرى أن إسرائيل هي المستفيد الأول من تفجر تلك النزاعات الدموية واستمرارها بوتيرة متصاعدة تسمح لها بالتحكم في مصير شعوب هذه المنطقة. بدا واضحاً أن سياسة الإفراط في القمع التي تعتمدها إسرائيل تجاه الجماعات السكانية الخاضعة لها والدول المحيطة بها، تشكل نموذجاً يحتذى لتلك الجماعات الإرهابية.

دلالة ذلك أن التحالف الأميركي للحرب على الإرهاب يحمل أخطاراً جمة على لبنان، مما يستوجب تحصين الحياة اللبنانية سياسيا وعسكريا، وضمان تسليح الجيش اللبناني. وتخوفت بعض القوى اللبنانية من استبعاد النظام السوري والدول المساندة له إقليميا وعالميا، أي إيران وروسيا والصين، لما لها من دور بارز في محاربة الإرهاب الدولي. وتساءلت: لمصلحة مَن يتم الربط بين تدمير قوات "داعش"، وتدمير قوات "حزب الله" في لبنان، وإسقاط النظام السوري؟

ختاما، يحرص لبنان على عدم الدخول في أيّ محور دولي ضد محور آخر. يدرك اللبنانيون جيدا أخطار المشروع الأميركي المعلن لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على أسس دينية وعرقية تمهد لقيام شرق أوسط جديد وفق أهداف أميركية وإسرائيلية مشتركة. فالأخطار المحدقة بوطنهم كبيرة، وهم يظهرون المزيد من الإلتفاف حول جيشهم وقواهم الوطنية التي تتصدى لتنظيم "داعش" وأمثاله. وعلى رغم تقاعس قادتهم عن القيام بدورهم الوطني في حماية لبنان، لم يعد في مقدورهم خوض حروب داخلية ونزاعات دموية تمهد لتنظيم "داعش" كي يغزو لبنان ويولّي أميرا عليه. "الداعشيون" المحليون جزء من بنية لبنان الطائفية، لكنهم الأكثر سواداً في تاريخها، وعاجزون عن بسط سيطرتهم على أيٍّ من الطوائف اللبنانية أو تهديم ركائز الدولة المركزية في لبنان. وبعدما شعر زعماء الطوائف بخطر "داعش"، تحركوا من مواقع متباينة لحماية وطنهم ومصالحهم المهددة بعدما بات الإرهاب المعولم يهدد بقاء لبنان المتعدد الطوائف والمتنوع الثقافات. فالخارج متواطئ مع "داعش" ويمارس مسرحية فاشلة يلعب فيها دور الخصم والحكم، المدمر والمنقذ. لذا تشكل المعركة ضد "داعش" تحدياً مصيريا يتوقف على نتائجها استمرار الدولة المركزية في لبنان، وقدرتها على مواجهة تنظيمات إرهابية عابرة للحدود. لدى اللبنانيين القدرة والإمكانات لصون وحدتهم الوطنية، والمحافظة على مجتمع تعددي متنوع يفاخرون به العالم بأسره. فهو مجتمع منفتح على جميع الثقافات، ويحترم جميع الأديان والقوميات، ويفخر بنظامه التربوي الذي يشجع على تعلم اللغات بهدف التفاعل الإيجابي بين الحضارات، قديمها وحديثها. فهل يسمح اللبنانيون لـ"داعش" والخارج المتواطئ معه بحرق طائر الفينيق على أمل أن ينتفض لاحقاً من رماده؟ أم يعتمدون مقولة غرامشي حول تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة في معالجة الصراع الدائر في لبنان وجواره بين تيارات ليبيرالية وديموقراطية وعلمانية حريصة على حماية التعددية والتنوع في المجتمع اللبناني، وبين تيارات ارتدادية وأصولية وتكفيرية تريد شطب لبنان، وطن الرسالة، من خريطة الشرق الأوسط الجديد؟