التاريخ: تشرين الأول ٤, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الشروق المصرية
ارفضوا اليأس - عمرو حمزاوي
حسنا، لا داعى للكتابة عن الأوضاع المصرية، اليوم. وأستطيع أيضا أن أبتعد فى الأسطر القادمة عن استدعاء خبرات الاستبداد القديمة والحديثة والربط بينها وبين واقعنا إن لجهة بارانويا مراقبة المواطن المستمرة أو بشأن انتهاكات الحقوق والحريات وتهجير الناس من المجال العام، وأن أتنازل مؤقتا عن توظيف إبداع أدباء مصريين كنجيب محفوظ وأدباء عالميين كماكس فريش للتدليل على التداعيات الكارثية للصمت عن الظلم والقمع. فهونج كونج تنادينى!

فالبشرية المعاصرة، وإن واصلت التحولات الديمقراطية غيابها عن بعض مراكزها الكبيرة كالصين وروسيا وتعثرت تجارب للتحول الديمقراطى فى أقاليم وأماكن أخرى كبلاد العرب، تقدم لنا دوما دلائل على تمسك الكثير من الشعوب بالمطالبة بحقوقها وحرياتها ورفضها للظلم وللقمع.

خلال السنوات القليلة الماضية، تصاعد حراك شعوب فى الجنوب والشرق لبناء نظم ديمقراطية وتثبيت دعائمها فى إطار تداول السلطة وحكم القانون والعدالة الاجتماعية، وشعوب أخرى فى الشمال والغرب بهدف مساءلة ومحاسبة حكامها المنتخبين وإقرار مضامين جديدة للعدالة الاجتماعية بإخضاع النخب الاقتصادية والمالية وأصحاب الثروات الكبرى لرقابة المجتمع والمواطن ومقاومة استخفاف بعض النظم الديمقراطية بضمانات حقوق وحريات الناس.

خلال السنوات القليلة الماضية، تمكنت أغلبية دول ومجتمعات أمريكا اللاتينية من إنجاز تحولات ديمقراطية ومن الحيلولة دون عودة الاستبداد والسلطوية، وشرع بعضها فى إعادة توزيع الثروة وتحسين الظروف المعيشية للسكان وتطبيق خطط طموحة للتنمية المستدامة. وتطابقت تطورات عدد أقل من الدول والمجتمعات فى القارتين الآسيوية والأفريقية، كإندونيسيا وماليزيا والفلبين وغانا، مع صعود الديمقراطية والعدالة الاجتماعية فى القارة اللاتينية. أما فى الشمال والغرب، فتحركت قطاعات شعبية واسعة فى أعقاب الأزمات الاقتصادية والمالية المتتالية للمطالبة بإجراءات جديدة لضمان توزيع الثروة على نحو عادل نسبيا ولإخضاع الحكومات المنتخبة ومؤسساتها وأجهزتها (التى تحولت إلى أبنية إدارية وخلايا بيروقراطية شديدة التعقد) لمبادئ المساءلة والمحاسبة القانونية والمجتمعية ولإنهاء وضعية انفلات رأس المال والمصالح والثروات الكبرى من مقتضيات الصالح العام وقواعد النزاهة والشفافية والمسئولية ــ من حركة «احتلال وول ستريت» إلى المظاهرات الكثيرة التى شهدتها عواصم أوروبية مختلفة.

خلال السنوات القليلة الماضية، لم يخفت إبداع الشعوب فى التمسك بالمطالبة بالديمقراطية وإظهار قدرتها على تحدى الظلم والقمع وثقافة الخوف فى مراكز وأقاليم وأماكن هى الأكثر معاناة من سطوة الاستبداد والسلطوية. هنا كانت ثورات وانتفاضات بلاد العرب منذ 2011 والتى تشوهت حين زج بها إلى آتون الحروب الأهلية وحمل السلاح والطائفيات والقبليات المقيتة وتفتيت مؤسسات الدولة الوطنية، أو تعثرت حين استعادت مراكز القوى السياسية والاقتصادية والمالية القديمة/ التقليدية توازنها سريعا ووظفت خطايا وأخطاء سياسة لم تستقر ولم تطمئن المواطن بشأن إمكانية الربط الإيجابى بين التحول الديمقراطى وبين الخبز والأمن واحترام التنوع والتعدد.

هنا أيضا هونج كونج، ذلك الجزء الصغير التابع للصين أو مركز البشرية المعاصرة الأكبر الذى تغيب عنه الديمقراطية. هنا هونج كونج التى يتظاهر بها الشباب وبعض قطاعات الطلاب والمثقفين ومنظمات المجتمع المدنى سلميا لإنقاذ الحقوق والحريات من وطأة الإدارة السلطوية لبكين، وللاحتفاظ بخصوصية «جزيرة الحرية الصغيرة» داخل محيط صينى يريد استيعابها على نحو يقضى على ضمانات الحقوق والحريات الشخصية والمدنية ويجعل من حرية التعبير عن الرأى ثقافة ماض لن يعود. هنا هونج كونج الصغيرة التى تواصل المقاومة بسلمية.

ارفضوا اليأس.