التاريخ: تشرين الأول ٢, ٢٠١٤
المصدر: موقع العربي الجديد
تونس.. تهديد الديمقراطية - سمير ساسي
حذّر حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في تونس، أحد أحزاب الترويكا سابقاً من السكوت علي ما صار يعرف بفضيحة التزكيات، والتي تعلقت بجمع تواقيع مواطنين من دون علمهم، لفائدة مرشحين اشتركوا جميعاً في الانتماء للنظام القديم. وكان لافتاً في تحذير الحزب تنبيهه إلي ضرورة التمييز بين الاحتجاج علي هذه الفضيحة، ضمن الحفاظ علي المسار الانتخابي والاحتجاج من أجل ضرب المسار الانتخابي، فهل نحن إزاء محاولة أخري للانقلاب علي المسار الديمقراطي؟
 
وعلى الرغم من أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أعلنت يوم الثلاثين من سبتمبر/أيلول، أنها قدمت دعوى قضائية في التزوير لدى النيابة العامة، فإننا نقرأ هذا المؤشر ضمن مؤشرات تعقيد المسار السياسي في تونس، ونتوقع أن لا يكون لهذه الدعوى أثر كبير، بالنظر إلى ضغوط هائلة يخضع لها القضاء في تونس، منذ الثورة، والذي لم يحسم دعوى ذات طابع سياسي حسماً نهائيا، بل وتخلى عن معظمها.
 
ويساعدنا مؤشر التحذير الذي أطلقه حزب المؤتمر على فهم موجة الترشحات غير المسبوقة لانتخابات الرئاسة في تونس، وهي على خلاف القراءة المبسطة التي عمد إليها متابعون كثيرون، من كونها تعبر عن روح الديمقراطية الجديدة في تونس، فإنها تصب في خانة الاحتمال الثاني الذي نبه إليه الحزب، أي الاحتجاج لضرب المسار الانتخابي بشكل قانوني، ليتم الانقلاب عليه بسلاسةٍ، لا تثير رد فعل، لا شعبيا ولا سياسيا.
 
ذلك إننا إزاء فريقين سياسيين، فريق جعل الوصول إلى الانتخابات هدفاً في حد ذاته، وهو يدعو إلى الاحتجاج ضمن الحفاظ على المسار الانتخابي، وفي مقدمته حركة النهضة وحزب المؤتمر، وكثيرون ممن يستشعرون الخطر على العملية الديمقراطية في تونس. الفريق الثاني لا تعرف هويته، أو يصعب، على الأقل، تحديدها، فهو خفي سيجعل من الاحتجاج على التزوير هدفاً، وإن كان هو من دفع إليه، أو شارك فيه، ومن شأن هذا الاحتجاج أن يبطل العملية برمتها، وهذا مستبعد لأسباب عديدة، أو أن يشكك في مخرجات العملية الانتخابية، إن تمت، وبالتالي، يترك المجال مفتوحاً لمن يتوقع أن يخرجهم الصندوق من ديمقراطية تونس الجديدة للعب الأوراق الممكنة، حتى سياسة الأرض المحروقة بعد الانتخابات، لإقصاء من يأتي بهم الصندوق، بداعي الطعن في شرعيتهم.
 
هذا مشهد يجعل تونس في حلقة مفرغة، كالتي عاشتها بعد انتخابات 2011، حين قادت المعارضة اليسارية، ووجوه في النظام القديم ونقابات العمال تحركات احتجاجية، دانتها حتى منظمة العمل الدولية، في مؤتمرها، أخيراً، في القاهرة، حين اعتبرت أن الإضرابات في تونس أضرت بالاقتصاد، وكانت عشوائية غير مبررة.
 
وفي الحالتين، نكون أمام احتمال عودة إلى وفاق مغشوش، يتداعى إليه الفرقاء، ويرفضه عامة الناخبين، وينتهي بالعزوف عن السياسة مطلقاً، ما يعيق تطور التجربة التونسية إلى نموذجٍ فريد في المنطقة، فإن لم ينجح هذا الوفاق، بضغط الناخبين، أو رفض بعض السياسيين، يبقى الأمر مفتوحاً على كل الاحتمالات، وهنا يكون المأزق، لأن تعدد الأبواب يزيد اللصوص.