بائسٌ وربّما يائسٌ ذاك السير الأميركيّ على طريق تقع في الوسط بين طريقين: من جهة، تتجنّب الولايات المتّحدة الاقتراح، شبه الضمنيّ شبه المعلن، للقوى الأصليّة في الثورة السوريّة بأن تضرب طائراتُها مواقعَ النظام السوريّ، عملاً بالنظريّة القائلة إنّ التخلّص من "داعش" لا يتمّ من دون التخلّص من نظام الأسد. ومن جهة أخرى، تتجنّب الاقتراح المعلن من النظام السوريّ وحلفائه بأن تُضمّ دمشق الرسميّة إلى التحالف المناهض لـ"داعش". الأخذ باقتراح الثورة، أو ما تبقّى منها، يجعل أوباما بوشيّاً، خصوصاً في ظلّ الحجّة التي باتت معروفة وهي عدم وجود طرف، ما خلا النظام، قادر على استثمار ذلك. أمّا الأخذ باقتراح النظام فيجعله كذّاباً. على نحو مصغّر، وباختلاف في المقادير، حدث شيء مشابه في العراق. فأميركا لا تقطع جسرها مع الشيعيّة الراديكاليّة مرموزاً إليها بالمالكي، وهو جسر يوصل مداورةً إلى إيران، لكنّها لا تخوض المعركة على النحو الذي أرادته تلك الشيعيّة الراديكاليّة، مشترطةً إزاحة المالكي وتشكيل حكومة "وحدة وطنيّة" أوّلاً. إذاً الحرب في آخر المطاف أميركيّة بشروط سيّئة، لا يخفّف من سوئها إلاّ قليلاً اشتراك دول وأنظمة عربيّة وسنّيّة فيها. وأوباما نفسه يكشف ذلك حين يتحدّث عن عداء "داعش" وأخواتها للولايات المتّحدة وعن خطرها عليها، مكتفياً بعبارات عامّة، إنشائيّة ومكرّرة، عن رفض أهل المنطقة لمثل تلك التنظيمات. فهو، هنا، يبالغ في "تمثيل" أهل المنطقة إرادةً ومصالح، مع الاتّكال على تدريب مقاتلين سوريّين "معتدلين" إعداداً للمستقبل. والمستقبل إيّاه قد يشهد توسّعاً في القتال وتوسّعاً في الإقبال على "الجهاد في سبيل الله". فقطع رأس السائح الفرنسيّ هيرفي غوردل في الجزائر على يد "جند الخلافة" إشارة. والأهمّ منها وجود قوى جاهزة مشابهة لـ "داعش" في ليبيا ومالي والصومال وصولاً إلى نيجيريا. أمّا الأوضاع الإقليميّة والدوليّة فتغذّي الافتراض بأنّها حرب مديدة ومتشعّبة: يندرج في الإطار هذا القرار الملزم لمجلس الأمن في ما خصّ "المقاتلين الأجانب" تنقّلاً وتمويلاً، كما يندرج التردّي النوعيّ الذي يطال العلاقات الغربيّة مع روسيّا، خصوصاً بسبب أوكرانيا. وهذا ناهيك عن احتياطيّ القوّة الذي تملكه "داعش" ممثّلاً في احتمال التنسيق الممانع، الإيرانيّ – السوريّ، معها. وإطالة الحرب وتوسّعها سيّئان بما فيه الكفاية في ما خصّ سوريّة والعراق المعرّضين للطحن بين أميركا و"داعش". مع ذلك لا يجوز استبعاد فرضيّة أخرى تتيح جعل الإطالة والتوسّع سيفاً بحدّين. وأمّا الحدّ الثاني، النظريّ حتّى الآن، فهو استخدام الزمن ومضامينه لجرّ أميركا إلى معركة السوريّين والعراقيّين بدل انطحان الأخيرين في معركتها. وهي مهمّة لا تتحقّق إلاّ بجهد كبير، تنظيميّ وسياسيّ، وفي موازاة تحوّلات ثقافيّة جدّيّة، مع إبداء حساسيّة مرتفعة حيال داعش، أماتت قبل النظام أم بعده.
ففي غضون هذا الزمن الفاصل، ستحاول "داعش" أن تستفيد بتأليبها المسلمين على أميركا، بحجّة أنّها "حرب على المسلمين"، وسيحاول النظام السوريّ أن يستفيد عبر وسطائه العراقيّين أو الإيرانيّين، بحجّة أنّه الوحيد القادر على الوفاء بما يلتزمه. ويفترض ألا يكون "داعش" والنظام الطرفين الوحيدين اللذين يستفيدان من الزمن.
|