لادخل لمؤسسة الرئاسة - من قريب أو من بعيد - بمؤسسة البرلمان. ليس للرئاسة علاقةٌ بالطريقة التى يأتى بها البرلمان، ولابإدارة انتخابات البرلمان، ولابالتشكيل الذى يأتى به البرلمان، ولا باختصاصات البرلمان، ولا بالطريقة التى يجرى بها حلُّ البرلمان.
الدستور الجديد، يفصلُ بين السُّلطتين، ويُحدد اختصاص كل منهما، ويُحدد طُرق التعاون بينهما، كما يُحدد وسائل تسوية ما يطرأ من خلافات - فى العمل - بين المؤسستين، بما فى ذلك سلطة الرئاسة فى حل البرلمان، وكذلك سُلطة البرلمان فى سحب الثقة من رئاسة الجمهورية.
أعلمُ، أن مبدأ الفصل بين السلطات قديمٌ فى دساتيرنا. ولكن لم يسبق العملُ به، ولم يسبق لنا احترامه، فقد تعوّدنا - عند التطبيق العملى - على السلطات المُطلقة لرئاسة الجمهورية، وهيمنتها على كل ما عداها من مؤسسات الدولة. أعلمُ أنّنا أمام فطام مُرّ المذاق، فقد تلذّذّ الرّؤساءُ السابقون بحلاوة القبضة الفردية على كل مؤسسات الحُكم.
الاختبارُ الذى يواجُهنا جميعاً، هو التطهُّر من ميراث وعادات المؤسسة الرئاسية المُستبدة بكل زمام. الطريقُ إلى الاغتسال جرى تمهيدُه فى نصوص الدستور الجديد، الذى حشدنا له الناس، والذى جاء بنا إلى الرئاسة، والذى أقسمنا بالله العظيم - على رؤوس الأشهاد - أن نحترمه ونحافظ عليه.
كُلُ المطلوب من رئاسة الجمهورية - باعتبارها فى هذه اللحظة رأس السلطة التنفيذية - هو ضمان نزاهة الانتخابات، دون تزوير من أى نوع، خاصّة أنّ السلطة النتفيذية فى مصر لديها رصيدٌ هائلٌ فى فنون وعلوم التزوير المُمنهج.
انزعجتُ، لما قرأتُ، عنواناً على ثمانية أعمدة، أعلى رأس الصفحة الأولى، فى صحيفة قومية كُبرى، ينسبُ إلى مقام الرئاسة مايلى نصُّه: « السيسى: لودخل الإخوانُ إلى البرلمان بطُرق مُلتوية سيخرُج المصريون لإسقاطه». انتهى عنوانُ الصحيفة القومية.
لأول وهلة، قُلتُ فى نفسى: الشعوبُ حين تخرج لإسقاط البرلمان، لاتكتفى عند هذا القدر، وتذهب لأبعد من ذاك، تُفكر فى إسقاط الرئاسة نفسها، هكذا علّمتنا دروس التاريخ القريب.
ثم قُلتُ فى نفسى: كيف تدعو الرئاسة لخروج الشعب من أجل إسقاط البرلمان فى ظل قانون التظاهُر الحالى؟، نحنُ وضعنا فى السجون من تظاهروا - مجرد تظاهر- عند مجلس الشورى بغير تصريح ؟، فكيف نسمح بالتظاهر لإسقاط البرلمان كله.
وهل مصر تتحمّل هذا الخروج؟ ومن الذى سيقودُ هذا الإسقاط ونحن نقول إن الأحزاب ضعيفة وليست عندنا قيادات مدنية نظيفة؟.
وهل هذا الخروج لإسقاط البرلمان القادم - لو دخله الإخوانُ بطرق ملتوية - سوف تنفذه قوى 25 يناير أم قوى 30 يونيو أم سوف تنفذه قوى جديدة تظهر مع الانتخابات؟.
ورغم اقتناعى الشخصى، أنه لاخوف من العنصر الإخوانى على البرلمان القادم، لكن يبقى السؤال: ماذا لو أدى الخروج لإسقاط البرلمان إلى نزاعات أهلية وإلى عنف اجتماعى فى كل دائرة انتخابية؟ وفى مثل هذه الحالة: هل تكفى الشرطة للتعامل مع خطورة الموقف أم قد نُضطّر إلى تدخل الجيش من جديد؟
ثُمّ ماتاُير هذا الكلام، على العناصر المحترمة التى تفكر فى خوض الانتخابات، وهى قد تفهم هذا الكلام الصادر عن الرئاسة على أنه ذريعة مُبكرة، لهدم الحياة البرلمانية بدعوى تسلل الإخوان؟.
لمثل هذه الهواجس السريعة، استغربتُ الكلام المنسوب لرئاسة الجمهورية. لكن فى الصفحة الرابعة، قرأتُ على لسان الرئاسة مايلى :«ماحدّش يقدر يغلب الشعب، فلو دخل الإخوان البرلمان بطرق ملتوية، فإننى متأكد أن الشعب لن يسكت، وسيخرج لإسقاط البرلمان». هذا نصُّ كلام الرئاسة، وهو يتطابقُ مع ماورد فى العنوان الصادم.
ليتنا نُتعب أنفسنا قليلًاً، ونقرأ المواد من 101 إلى 138 ففيها يشرحُ الدستور سلطات البرلمان وتشكيله وآليات عمله. ثم نقرأ المواد من 139 إلى 162 وفيها يشرح الدستور صلاحيات الرئاسة وطريقة عملها. ثم المواد من 208 إلى 210 وفيها يشرح الدستور «الهيئة الوطنية للانتخابات» وطريقة عملها.
وفى الختام: الشعبُ المصرى هو من أنقذ مصر من حُكم الإخوان، ومن رئاسة الإخوان، وليس هو من سمح بحزب للإخوان، وليس هو من جلس مع الإخوان، وليس هو من سبق ونقل سلطة البرلمان للإخوان، وليس هو من سبق ونقل الرئاسة للإخوان.
الشعبُ المصرى هو من أنقذ الهوية المصرية، هو من أنقذ الدولة المصرية، هو من أنقذ الجيش المصرى، هو من تقدّم بصدر مفتوح فى مواجهة كل المخاطر التى تجسدت فى مشروع الإخوان.
الشعبُ المصرى بلغ سنّ الرشد، بلغ سنّ التمييز، بلغ سنّ القرار، يعرف كيف يفرز وكيف يختار.
زلازلُ الإسقاط إذا ضربت الأرض، فإنها تزلزل كل مافوقها، لن تُسقط البرلمان وحده، ولن تستثنى الرئاسة من خطر السقوط، فإذا زُلزلت الأرضُ زلزالها أخرجت كل مافى بطنها من غضب، وأسقطت كل مافوقها من بناء، الزلازل عمياءٌ لاتفرق ولاتعرف التمييز، بين برلمان فاسد، ورئاسة صالحة، سوف يسقط الفاسدُ، ومعه سوف يسقط الصالح.
من الوارد، بل من الواجب، أن نفتح حواراً وطنياً لحماية البرلمان القادم من كل المخاطر: الإخوان، العنف، التزوير، التمويل، العزوف الجماهيرى إلى آخره.
أما التلويح بإسقاط البرلمان، عبر خروج شعبى كاسح، فهذا تلويحٌ بسقوطنا جميعاً، وربما سقوط الرئاسة قبل البرلمان.
قديماً: قال الإعرابىُّ الحكيمُ لقومه - وكانوا يُكثرون من الإغارة على من سواهم - ياقومى: خذوا الذى لكم، وأدّوا الذى عليكم، وإلا ساء تصريفُكم، واختلّ تدبيرُكم. انتهى قولُ الأعرابى الحكيم.
حفظ الله مصر وشعبها، وحفظ برلمانها ورئاستها، من كل مكروه وسوء. الحديثُ مستأنف. |