في غضون الثمانية والأربعين ساعة الأخيرة، صدر موقفين متلازمين من العاصمة الأميركية. الأول على لسان مسؤولة في البيت الأبيض قالت لـ ”الحياة” إن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيبحث في قمته مع خادم الحرمين الشريفين آلية تنسيق الدعم العسكري في سورية من خلال “خط أنابيب واحد”، والثاني على لسان الكاتب المرموق في “واشنطن بوست” ديفيد أغناشيوس، يكشف خطة أميركية سرية من ست ركائز لتسليح المعارضة المعتدلة في سورية وتدريبها.
بداية يجب حصر الموقف الأميركي في سياق واقعي وبراغماتي، فهو تصعيد تدريجي ومدروس ولن يشمل تدخلا عسكريا ونتائجه لن تظهر بين ليلة وضحاها وقد تتغير معاييره مع الوقت. ومع ذلك هو تصعيد جاء نتيجة مراجعة سياسية وظروف اقليمية ودولية متبدلة، أجبرت الادارة على اعادة النظر وسلوك هذا المنعطف.
التحول في الموقف الأميركي مردّه أولا فشل مؤتمر جنيف 2 في احداث أي اختراق سياسي يختصر النزاع في سورية ويبشر بحل الأزمة التي دخلت عامها الرابع. وساهمت خيبة الأمل الأميركية من مسار جنيف 2، والدور الروسي الذي لم يف بتعهداته ولم يضغط برأي واشنطن على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في اطلاق مراجعة شاملة حول الملف السوري في واشنطن واستعراض سلسلة خيارات جديدة أمام أوباما.
اللاعب الروسي وتحديه واشنطن في أوكرانيا يساهم أيضا وبشكل كبير اليوم في بلورة موقف أوباما من النزاع في سورية. فلا واشنطن تحتمل سيل الانتقادات من شخصيات مرموقة في الداخل الأميركي عن تراجع نفوذها الشرق الأوسطي، ولا هي في صدد التسليم بدخول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خط المنافسة في العقود العسكرية في مصر أو حسمه الموقف في سورية. وكما يقول مستشار أوباما السابق دنيس روس لـ”الحياة”: “ليس هناك ثقة أصلا في الجانب الروسي واذا أرادوا المنافسة فنحن مستعدون لها.”
غير أن الورقة الأهم التي رجحت كفة التصعيد الأميركي هي واقع النزاع داخل سورية، وتحوله بين قوات الأسد وحزب الله وميليشيات عراقية من جهة، وبين مجموعات متطرفة مدعومة من تنظيم "القاعدة" ومقاتلين أجانب والجيش الحر من جهة أخرى. ودق هذا الواقع ناقوس الخطر في واشنطن لاحتمال أن يؤدي الى فرز اضافي بين أطراف الصراع، فيصبح بين الأسد و"القاعدة" في حال لم يحصل تحرك جدي لدعم الجيش الحر. ومن هنا، وكما أشار اغناشيوس، فإن هذا الدعم سيكون ذا شقين: الأول لمحاربة قوات الأسد والثاني لمحاربة الارهاب ومجموعات "النصرة" و"داعش" و"أحرار الشام". وسبق تقرير أغناشيوس، تحذير مفصل للاستخبارات الأميركية في صحيفة "نيويورك تايمز" من تنامي نفوذ "القاعدة" في سورية، وتوافد مقاتلين أجانب بعضهم على تواصل اليوم مع زعيمها أيمن الظواهري.
واللافت في خطة الست نقاط أنها ترتكز على مظلة اقليمية ونجاح واشنطن في اقناع اللاعب القطري بوقف الدعم لمجموعات متطرفة. كما يساهم التعاون السعودي – الأميركي، من خلال موقع وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، في شكل كبير في طمـأنة واشنطن، وهو كان زارها الشهر الفائت.
لا يجوز من الناحية اللوجيستية توقع تغيّرات سريعة على الأرض تمليها الخطة الأميركية. فحتى في العاصمة واشنطن يذهب بعض التقديرات الى سنة أو سنة ونصف لإحداث تغيّر ملموس.
وفي الأثناء، يستمر اشتعال فتيل النزاع في سورية، لكن قطار تغيير المعادلة للتوصل الى حل سياسي على أساس ميثاق جنيف غادر المحطة، في ظل شكوك كبيرة وجدية حول مدى فاعليته.
|