التاريخ: آذار ٢٩, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
الانتخابات الرئاسية المصرية قد يكون قانونها غير دستوري - حسين معلوم
يكاد يكون الجدال السياسي هو السمة الغالبة على الساحة السياسية في مصر، على الأقل منذ ثورة 30 حزيران (يونيو) التي أنهت حكم جماعة الإخوان، وأفسحت الطريق لمرحلة انتقالية، تم فيها إقرار دستور جديد، بنسبة مُعتبرة من كتلة الناخبين المصريين. لم يتوقف هذا الجدال عند حدود الأداء السياسي والاقتصادي لحكومة حازم الببلاوي، التي استمرت سبعة أشهر وثمانية أيام، فشلت خلالها في إدارة شؤون البلاد. كما لم يتوقف عند حدود استقالة حازم الببلاوي، أو إقالته، وتولية إبراهيم محلب رئاسة مجلس الوزراء، ولكن وصل الجدال السياسي مداه، مع إصدار الرئيس الموقت للبلاد قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة.

انقسمت الساحة السياسية المصرية بين معارض للقانون، ومؤيد له. وفيما اعتبره المؤيدون ضرورياً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، تنفيذاً للخطوة التالية من «خريطة المستقبل»؛ رأى المعارضون أنه «غير دستوري»، لجهة أنه يحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، بينما تنص المادة «97» من الدستور، على أنه «يُحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء...». وبصرف النظر عن ذلك الاختلاف، فإن هناك نقاطاً جديرة بمناقشتها، أولها ما يثار بشأن توصيف اللجنة العليا للانتخابات، هل هي لجنة قضائية أم لجنة إدارية تدير عملية انتخاب رئيس الجمهورية. والرأي الواضح، هنا، أن هذه اللجنة هي - بالأساس - لجنة إدارية تدير العملية الانتخابية، فهي، تمارس عملاً إدارياً، حتى وإن كانت تضم في عضويتها كبار القضاة ورؤساء الهيئات القضائية.

بالـتالي، فإن مؤسسة الرئاسة المصرية، الموقتة، بتحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية، إنما ترتكب الخطأ نفسه الذي وقع فيه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي كان يدير شؤون البلاد بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم، والذي حصن قراراته في الإعلان الدستوري الذي أصدره. وهو، أيضاً، الخطأ الذي وقع فيه الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي أصدر إعلاناً دستورياً حصَّن فيه قراراته من الطعن عليها بأي صورة من الصور، فكان ذلك المقدمة الطبيعية للأحداث التي أدت إلى ثورة 30 يونيو.

ولنا أن نتساءل عن الحال الذي يمكن أن تصل إليه البلاد في حال تم الطعن على دستورية ذلك القانون، خصوصاً أن قسم الفتوى والتشريع في «مجلس الدولة»، أكد عدم جواز تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.

النقطة الأخرى، إن الحُجة في إصدار قانون الانتخابات الرئاسية، وتضمينه تحصين قرارات اللجنة المشرفة على هذه الانتخابات، تتمثل في تجنب طول العملية الانتخابية، في حال فتح باب الطعون أمام كل مرحلة من مراحل الانتخابات والبالغة حوالى 15 مرحلة. والرأي الواضح، هنا، أن انتخابات الرئاسة تستهدف انتخاب رئيس مصر المقبل، بعد ثورتين أنجزهما الشعب المصري في زمن قياسي، في 25 يناير 2011، وفي 30 يونيو 2013.

بالتالي، ليس من المنطقي أن تتحصن قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية بحجة تجنب طول العملية الانتخابية. فالمصريون لن ينتخبوا رئيساً لهم في كل عام. ثم أنه بحساب «الشفافية» البسيط، فإن الطعن لن يؤخذ به إلا إذا كان هناك ما يبرره. والأهم، أن خريطة المستقبل، التي تم الإعلان عنها في تموز (يوليو) الماضي، لم تتضمن الانتخابات الرئاسية كخطوة تالية لإقرار الدستور، وإنما كانت الانتخابات البرلمانية هي الخطوة التالية. وهذا ما يدحض، أيضاً، حجة الوقت التي يسوقها بعضهم لتحصين قرارات اللجنة.

والواقع، أن هاتين النقطتين تمثلان المصرح به في الجدال الدائر، لكن هناك المسكوت عنه في هذا القانون، ويتمثل، في المادة 56 من القانون، التي تنص على أن: «يُعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مئتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف حكم المادة 24 من هذا القانون». فإذا ذهبنا إلى المادة 24 وجدناها تنص على أن: «يُحظر تلقي أي مساهمات أو دعم نقدي أو عيني للحملة الانتخابية من أي شخص اعتباري مصري أو أجنبي، أو من أي دولة أو جهة أجنبية، أو منظمة دولية أو أي جهة يساهم في رأس مالها شخص أجنبي أو من شخص طبيعي أجنبي».

والتساؤل الذي يفرض نفسه، هنا، ماذا لو حصل المرشح الفائز على دعم خارجي وتم اكتشاف ذلك؟ والإجابة، هي أنه سيتم تغريمه بمبلغ مئتي ألف جنيه مصري!

وفي هذه الحال، سيكون على المرشح أن يتلقى دعماً خارجياً بمبلغ عشرين مليون جنيه، مضافاً إليها مبلغ مئتي ألف جنيه قيمة العقوبة. ويكون المصريون قد اختاروا رئيساً، يحمل «جميلاً» للجهة التي دعمته ومولته في حملته الانتخابية، وهو في حال فوزه سيرد الجميل على هيئة «مصالح» لتلك الجهة، سواء كانت محلية أم - وهذا هو الأهم - أجنبية.

هذا هو العوار الحقيقي في قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة. إذ كيف تتوقف عقوبة التمويل الخارجي عند حدود الغرامة المالية، وتُلغى عقوبة الحبس، أو العزل، أو الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية للشخص المرشح، سواء فاز في الانتخابات أم لم يفز؟

وهــنـاك مســألة أخرى، بخصوص المسكوت عنه في قانون الانتخابات الرئاسية، وهي تلك التي حددتها المادتان 22، و23، من القانون، إذ تحدد الأولى الحد الأقصى بالإنفاق على الحملة الانتخابية لكل مرشح، بمبلغ «20 مليون» جنيه مصري؛ في حين تحدد الثانية الحد الأقصى لما يتلقاه كل مرشح من تبرعات نقدية أو عينية بألا يتجاوز 2 في المئة من ذلك الحد الأقصى. هنا، يتبدى بوضوح «العوار الاجتماعي» في القانون. إذ، بالحساب البسيط للمترشحين للرئاسة حتى الآن، فإن أحداً منهم لا يمتلك في حسابه الشخصي - وهذا اعتقاد وليس جزماً للأمور - مبلغ الـ «20 مليون جنيه»، وبالتالي سيضطر كل منهم إلى الاستعانة بالأشخاص الطبيعيين لتمويل حملته الانتخابية.

وفي هذه الحال، وبمنطق الحفاظ على «الشفافية» و»الالتزام بالقانون»، فإن كل مرشح سيحتاج إلى «خمسين» من الأشخاص الطبيعيين لتمويل حملته الانتخابية، بما يعني «خمسين» مصلحة في حال فوزه بمنصب الرئاسة، على أدنى تقدير. وهو ما يعني أن المرشح الفائز بمقعد الرئاسة سيكون في أفضل الأحوال «مرشح الفئة القادرة مالياً» من المصريين، الذين يتحكمون - فعلياً - في مصائر البلاد والعباد. وما الحل إذن؟ الحل بسيط، وهو مدى قدرة المرشح الفائز بالرئاسة على الإجابة عن التالي: هل سينتصر للمصريين الذين ضحوا لكي يحققوا ثورتين في زمن قياسي؟ هل سينتصر للحرية والعدالة الاجتماعية؟

لكن الحل الأكثر بساطة، هو أن يختار المصريون من يمكن أن ينتصر لهم ولمطالبهم.

* كاتب مصري