السبت 5 آذار 2011
كانَ الامرُ ليبدو طبيعياً ومنطقياً أكثر لو أنّ النقاش في "مسألة السلاح" يتمّ مع "حزب الله" نفسه، بما انّ السلاح الموجود خارج إستراتيجية الدولة وخارج شرعية الدولة هو سلاحه. غير أنّ "حزب الله" وقد أفلس بالفعل في تبرير بقاء هذا السلاح وفي التنظير لبقائه مسلحاً، وذلك في إمتداد إفلاسه الفكري- السياسي في تبرير استمرار عمل مقاوم مستقل عن الدولة، وقد باتت المقاومة اسماً على غير مسمى.. بادر بنفسه الى اعلان انتهاء النقاش وصولاً الى مخاطبة الامين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصر الله المناقشين في سلاحه والمساجلين ضد بقائه بالقول "شوفوا شو بيطلع بإيدكم"!
النقاش في السلاح غير الشرعي مطروح اذاً ضمن حركة 14 آذار وبينها وبين اللبنانيين. فبعد أن استنتجت 14 آذار استحالة استمرارها- مجتمعة أو بعضها – في التمييز بين "سلاح مقاومة" "وسلاح داخل" في يد حزب واحد، وبعد أن أقرت باستحالة إقامة نوع من التوازن بين الديموقراطية من جهة والسلاح من جهة ثانية، ينطلق هذا النقاش باتجاه الاجابة عن السؤال الاتي: هل الظرف الراهن، داخلياً وخارجياً، مناسب لطرح عنوان السلاح غير الشرعي والغاء هيمنته؟
في الاجابة عن هذا السؤال، لا مفر من القول إن طرح هذا العنوان يأتي في ظرف لبناني داخلي محتقن جرّاء توظيف "حزب الله" سلاحه في انقلاب على العملية السياسية الديموقراطية وفي اطار مشروع غلبة مناقض للعيش المشترك وميثاقه.. وفي انتظار إمكان توظيف هذا السلاح في اطار اقليمي ايراني. وعليه، فإنّ طرح العنوان المذكور إنّما هو ردّ موضوعي على ذلك التوظيف الحزب اللهي للسلاح.
وأن تكون 14 آذار سارعت الى الرّد بعنوان إنهاء السلاح غير الشرعي معتبرةً أنّ الظرف الموضوعي المباشر يبرّره تماماً، لا يعني بالنسبة الى 14 آذار أنها لا تدرك أنّ الظرف الداخلي نفسه لا يتيح تحقيق إنجاز ملموس في مدى مرئي "الان"، لكن يعني أن عدم تظهير هذه المشكلة تحت ضوء كبير سيكون خطأ جسيماً، وأن عدم اطلاق دينامية لبنانية متدحرجة في هذه الوجهة سيكون خطأ جسيماً أيضاً فضلاً عن كونه إستسلاماً غير مبرر أمام إستكبار "حزب الله".
على أن الاهم هو الظرف الخارجي – العربي الذي من ضمنه تطرح 14 آذار عنوان إنهاء السلاح غير الشرعي.
منذ أسابيع تشهد المنطقة العربية، والاقليم (بما فيه ايران)، عاصفةً كاسحة من الثورات التي لم تضع أوزارها بعد. بطبيعة الحال، إنّ لكل ثورة من تلك الثورات شراراتها وآلياّتها وإن لكل دولة خصائصها وإجتماعها.
غير إنه، ومنذ الان أي قبل أن تصل الثورات العربية الى خواتيمها، يمكن تسجيل العديد من المشتركات بينها جميعاً.
هي جميعاً ثورات ضد الاستبداد وضد الديكتاتوريات الفردية أو الحزبية.. هي جميعاً ثورات ديموقراطية إذاً. وهي جميعاً ثورات أبرزت الحجم الكبير للمجتمعات المدنية في دولها.. فهي ثورات مدنية إذاً. وهي جميعاً ثورات ضد التخلف والبقاء في أسر الماضي.. فهي ثورات للتغيير والتحديث والدول المدنية الحديثة إذاً. وهي جميعاً ثورات ضد تراجع الموقع والدور العربيين وضد غياب "المكان العربي تحت الشمس".. فهي ثورات لاستنهاض الدور العربي إذاً.
المشتركات عديدة جداً. ولا شك أن المؤدى الاخير لتلك الثورات أي غاياتها هي اقامة أنظمة حكم ديموقراطية معاصرة، نشوء عالم عربي تعددي (أي ديموقراطي)، تأسيس نظام جديد للمصلحة العربية بالارتكاز الى ذلك التعدد، نظام يستطيع أن يشكل قوة اقليمية فاعلة ومؤثرة بعد زمن "سحق" فيه الوضع العربي بين ثلاث قوى اقليمية غير عربية هي إسرائيل وتركيا وإيران. وبوصول تلك الثورات الديموقراطية الى غاياتها، سوف تتحقق ثلاث نتائج مباشرة.
النتيجة الاولى التي ينبغي تسليط الضوء عليها، هي أن إسرائيل التي "إعتادت" على العدوان وافتعاله، ستجد نفسها للمرة الاولى فعلاً منذ العام 1948 ليس فقط أمام تحديات عربية المصدر، لكن أمام فقدانها للعديد من مبررات مشروعها بل من أسباب وجودها. ولا شك أن إسرائيل بعد هذه الثورات وفي ضوء نتائجها ستدخل في مخاض عسير. النتيجة الثانية، عندما تؤدي تلك الثورات الى تجديد نظام المصلحة العربية، هي استعادة فلسطين والقضية الفلسطنية الى حضن عربي متين وقوي، حضن في وسعه أن تكون له إستراتجيات وبدائل لهذه الاستراتيجيات في آن.
أما النتيجة الثالثة، فهي تطور المجتمعات العربية في ظل الديموقراطية بإتجاه الحداثة التي من شأنها أن تزيل المشكلات الطائفية والاثنية والعشائرية، وتنقل العالم العربي نحو أن يكون معاصراً ويسوده العيش المشترك والمواطنة وذا دور حضاري على نطاق العالم. ..وبين ما تطرحه 14 آذار في هذه الايام، وتلك الثورات العربية الديموقراطية مشتركات عدة أيضاّ. كما تلك الثورات، تطرح 14 آذار إستعادة لبنان الى الديموقراطية من الاستبداد الحزبي المسلّح، بطرحها إنهاء السلاح غير الشرعي إسقاطاً للغلبة والهيمنة. وكما تلك الثورات، تطرح 14 آذار العدالة التي تمثل عنواناً عربياً أيضاً. وكما تلك الثورات تحمّل 14 آذار مشروع قيام الدولة، وسوف تركز على قيام الدولة المدنية الحديثة في نطاق تطوير إتفاق الطائف ومن ضمن آلياته.
والمقصود هنا، أنّ 14 آذار ليس فقط من حقها أن تفاخر بأنها كانت في العام 2005 أول ثورة ديموقراطية في العالم العربي، بل من المنطقي القول إنها بسعيها الى إستكمال مشروعها، لا تزال ثورة معاصرة بالصلة مع الثورات العربية "الناشبة" الآن، وهي حاجة لاكتمال عقد تلك الثورات وهي ضرورة لاكتمال البيت العربي الجديد. ومن هنا، وإذا كانت المقدمات السالفة أشارت الى إعتبارات طرح إنهاء السلاح غير الشرعي في الظرف اللبناني الموضوعي، وإذا كانت – المقدمات – "إعترفت" بأن إنهاء ذلك السلاح لا يحققه الظرف اللبناني الداخلي وحده (والسلاح المذكور خارجي أصلاً ويستقوي أصحابه بالخارج!)، فإن المقدمات دعت الى ملاحظة أن ذلك السلاح إذ يستمر في لبنان معاكساً للتطلع اللبناني الى الديموقراطية، انما يستمر معاكساً للتطور العربي الجاري، ويغدو في الإطارين اللبناني والعربي خارج التاريخ.. من ماض ينهار.
إنهاء السلاح مطروحاً من جانب 14 آذار، طرح ديموقراطي معاصر. التمسك بالسلاح من جانب "حزب الله" يشبه تمسك القذافي بكتائبه، وهو طرح خارج العصر. إنهاء السلاح مطروحاً من جانب 14 آذار في إطار الزمن العربي الجديد. أما التمسك بالسلاح من جانب "حزب الله" فهو سباق موهوم مع عصر عربي ينهار.. عصر عربي لا تبدو إيران بعيدة عنه على كل حال. .. وبعد، هل ثمة ما هو "أفتك" من طرح انهاء السلاح غير الشرعي سوى تظهير كون هذا السلاح خارج الزمان والمرحلة والعصر؟.
|