التاريخ: تشرين الثاني ٩, ٢٠١٠
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
مصر: الحزب الحاكم يسمح لأعضائه بمنافسة بعضهم بعضاً في الانتخابات

القاهرة – من جمال فهمي:
بدأ امس ماراتون اغرب انتخابات نيابية تشهدها مصر في كل تاريخها المعاصر واكثرها اختلافا واثارة للجدل، فقد اعلنت اللجنة العليا للانتخابات مساء الاحد اقفال باب الترشح بحصيلة بلغت 5720 مرشحا سوف يتنافسون على 508 مقاعد في مجلس الشعب الذي ستشهد دورته الجديدة استحقاقا ربما كان الاشد اهمية وخطورة منذ اكثر من نصف قرن، الا وهو الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها خريف السنة المقبلة. وسيتحدد في هذه الانتخابات مستقبل الحكم في مصر بعد ثلاثة عقود كاملة امضاها الرئيس حسني مبارك في السلطة، وما اذا كان سيمدد لنفسه لولاية سادسة ام ان خطة توريث نجله جمال المقعد الرئاسي ستنجح في تخطي عراقيل وصعوبات تبدو احيانا كأنها تلامس حدود المستحيل.


اما الانتخابات النيابية ستجرى على دورتين، الاولى في 28 من تشرين الثاني الجاري، والاخرى في 5 كانون الاول المقبل، فمظاهر تفردها واختلافها كثيرة، اذ تجرى للمرة الاولى في غياب الاشراف القضائي المنقوص الذي كانت قوى المعارضة تطالب باستكماله، غير ان حزمة تعديلات دستورية اقرت في 2007 الغت اشراف القضاة واستبدلت بهم لجنة ادارية جل اعضائها من الموظفين الحكوميين وهو أمر دفع حركات وتيارات معارضة صار لها حضور قوي في الشارع السياسي المصري الى رفع شعار "مقاطعة انتخابات مزورة من المنبع" ونتائجها معروفة سلفا. لكن شعار "المقاطعة"، الذي اكتسب في الاشهر الاخيرة زخما شعبيا كبيرا، قاطعته وتمردت عليه احزاب المعارضة الرسمية مع جماعة "الاخوان المسلمين" المحظورة قانونا اذ قرر هؤلاء خوض الانتخابات على رغم اعتراف غالبيتهم بفقدانها اكثر شروط النزاهة وضماناتها.


واذا كانت المظاهر السابقة ليست كلها غريبة عن المشهد الانتخابي المصري، فان الغريب والنادر حقا تجسد في المفاجأة المدوية التي كشفها الحزب الوطني الحاكم عندما اعلن مساء اول من امس في الساعة الاخيرة قبل اقفال باب الترشيح قائمة مرشحيه فاذا بها تضم 716 مرشحا يغطون كل الدوائر وهو عدد يوازي مرة ونصف مرة مجمل المقاعد التي تجرى عليها الانتخابات، بل ان ثلثي الدوائر ستشهدان تنافسا بين اثنين او ثلاثة مرشحين من الحزب على مقعد واحد.


هذه القائمة المتضخمة يفوق عدد المرشحين فيها (بأكثر من 150) مجمل مرشحي قوى المعارضة الرئيسية واحزابها مجتمعة بما فيها جماعة "الاخوان المسلمين" التي قبلت لجنة الاشراف على الانتخابات اوراق نحو 135 عضوا فيها اكثرهم من نوابها الحاليين (88 نائبا).
وفسّرت مصادر في الحزب الوطني خروج قائمة مرشحيه على هذا النحو الغريب بفشل كل المحاولات التي بذلت طوال اكثر من شهر من أجل التوصل الى توافق بين تجمعات وكتل المصالح المختلفة والمتصارعة على قمة هرم الحزب حول قائمة موحدة ومنضبطة تتجنب حال الشقاق والخروج على الالتزام الحزبي التي شهدتها الانتخابات السابقة وأدت في 2005 الى اخفاق اكثر من 65 في المئة من مرشحي الحزب الرسميين وفوز المتمردين الذين اصروا في حينه على الترشح مستقلين.


وقال المصدر ان الحل الوحيد الذي بقي امام "زعماء التكتلات" الحزبية الرئيسية هو الاقرار بالفشل ووضع قائمة تضم اتباع كل الكتل وترك الحسم النهائي لقدرة كل مرشح على توفير اسباب فوزه على الارض.
ويذكر ان عدد الذين تقدموا بطلبات الانضمام الى قائمة مرشحي الحزب الوطني تجاوز 4500 عضو اضطروا جميعا، عدا تسعة وزراء في الحكومة الحالية، الى تقديم اقرارات وتوكيلات رسمية تجيز للحزب سحب ترشيحهم اذا ما خالفوا اختيارات الحزب، بل ان عددا كبيرا منهم اجبر على تسليم بطاقة هويته لحرمانه مستنداً رئيسياً ينبغي تقديمه اذا ما حاولوا ترشيح انفسهم على رغم ارادة الحزب.