التاريخ: آذار ٣, ٢٠١١
المصدر: جريدة السفير اللبنانية
 
بول سالم: ثورة الشعوب العربية منتظرة ولكنها غير مبرمجة
سوريا في منأى عن رياح التغيير واللبــناني يســأل: ضــدّ مــن أثــور؟

مارلين خليفة 

مع احترام مقولة الكاتب نسيم طالب في كتابه «البجعة السوداء» (2007) بأن عنصر المجهول في التاريخ هو أكبر بكثير من الأمور المرتقبة، أي أنه يمكن تفسير التاريخ بعد حصوله وليس عندما يكون معيشاً، يحاول مدير «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» الدكتور بول سالم تقديم ترجمة جيو ـ سياسية للثورات العربية الحاصلة في تونس ومصر وليبيا والمترددة أصداؤها في البحرين واليمن والمغرب والأردن وسلطنة عمان.
يورد سالم أفكارا تحرض على التأمل في تفجرّ «بركان» الشعوب العربية المنتظر منذ زمن طويل، متحدثا عن «صدمة» وإرباك أوروبا وأميركا حيال تسارع الحوادث، لافتا الانتباه في الوقت عينه الى أنه لم يظهر طرف دولي مستفيد من تراجع النفوذ الأميركي في النظام العالمي على عكس ما كان يحدث إبان زمن «الجبارين» (السوفياتي والأميركي).

 

دول المشرق العربي
إلا أن رياح التغيير لا يبدو أنها ستهبّ على لبنان وسوريا أقله في الرؤية القريبة لمستقبلهما. «يوجد ظرفان ضاغطان في لبنان الأول، يتعلق بالنظام الطائفي والمذهبي القديم والمسيطر على الرأي العام ووسائل الإعلام، والثاني، غياب السيادة اللبنانية الفعلية، لذا يحتار اللبناني على من يثور».


على أهمية ما يحدث في تونس ومصر ومأسوية الحالة الليبية، لم يظهر بأن لهذه الثورات تأثير بالغ على موازين القوى في لبنان، «لأن التغيير لم يطل دولا متداخلة مع الشأن اللبناني كسوريا والسعودية وإيران»، يضيف سالم: «لا شك أن رحيل الرئيس حسني مبارك في مصر ضعضع المخيم الذي كان داعما لقوى 14 آذار، وأربك السعودية، ومع بداية الأزمة الأردنية يبدو التراجع واضحا في ما أسمي بمحور دول الاعتدال العربي التي دعمت طرفا معينا. لكن تراجع قوى 14 آذار في لبنان سبق ما حصل في مصر، وبالتالي فإن الإنتفاضات التي حصلت لم تكن مسببا للتغيير في لبنان، وما حصل في مصر وتونس وعلى الرغم من أنه صدمة للنفوذ الأميركي لم يشكل مكسبا لسوريا أو لإيران المفترض أن يكونا الطرف الثاني، أما خطر الحرب الإسرائيلية على «حزب الله» ولبنان فهو متعلق بحسابات مختلفة لها علاقة بالسلاح النووي الإيراني وأمور أخرى ولا تتعلق بتغيير في مصر أو في دول أخرى».


ليس الوضع السوري مختلفا إنما لأسباب أخرى: «تقرأ سوريا المحاطة بالعراق ولبنان خضات المشرق العربي التي تحمل في طياتها حساسيات طائفية ومذهبية ما يضاعف من خطر الفوضى. لكنّ الموقف السوري من إسرائيل مختلف عن موقف الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ما يعزز وضعها قيادتها شعبيا، كما أن الرئيس بشار الأسد ما يزال شابا في منتصف تجربته الإصلاحية التي بدأت منذ 11 عاما، حتى لو كان النظام قديما، ولكنه غير شبيه بنظامي زين العابدين بن علي ومبارك، لذا من المستبعد حدوث أي طارئ في سوريا».


وتختلف ظروف دول أخرى في المشرق العربي، هنا يقول سالم «بدأ حراك في الأردن مع اندلاع الثورة التونسية مرده الى الإحباطات التي ولدتها الانتخابات النيابية السابقة، معطوفة على حركة مطلبية تعود الى نهاية عهد الملك الراحل حسين وبداية عهد الملك عبد اللله الثاني. وعد الملكان بإصلاحات سياسية لم تحصل، وقد تفاعلت الحركة في الأردن بسرعة فتم تغيير الحكومة، لكن وضع الأردن يشبه حال الأنظمة الملكية برمتها، حيث توجد إمكانية للتفاعل مع المطالب الشعبية من دون إمكانية تغيير النظام وقلب رأس الهرم، لأن النظام الملكي أصلا غير مبني على انتخاب الملك من الشعب بل يبقى عبر مصداقية تاريخية دينية معينة على عكس الأنظمة الدستورية، وبالتالي فإن في الأنظمة الملكية في المغرب والأردن والكويت والإمارات، ثمة مجال للتعاطي من دون قلب النظام لكن عبر تعديل سياسي مهم وجذري».
يتابع سالم: «في العراق توجد ظروف طائفية وإثنية هي أقوى من الحركة المطلبية، وهي تؤثر في قرارات رئيس الوزراء نوري المالكي في ما يتعلق بالوزراء، وقد أعطى مهلة مئة يوم لتحسين أدائه وحكومته وسيمشي بشكل أسرع في موضوع توزيع المراتب الأمنية وإنشاء مجلس الأمن للسياسة القومية وهو وعد لم يحققه بعد».

رياح ساخنة في الخليج
ملامح التغيير بدأت تلوح ايضا في الخليج وتحديدا في البحرين وهي جزء من دول مجلس التعاون الخليجي والمنظومة الخليجية المعقدة، يقول سالم: «في البحرين وضع طائفي خاص ومن الممكن أن يمتد التوتر فيها الى المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وثمة قلق سعودي من هذا الموضوع مع ظهور مجموعة مثقفين وشباب كرروا مطالب رفعت في المرحلة الإصلاحية السابقة بين عامي 2004 و2005. رأينا حراكا أيضا في سلطنة عمان ناهيك عن وضع اليمن، ولا أعتقد أن الظروف الراهنة في دول الخليج النفطية قد تؤدي الى قلب نظام أو الى ثورات حقيقية، بل سنشهد حراكا في اتجاه مزيد من منح الحقوق والمشاركة وتطوير التجربة الخجولة التي بدأت في الأعوام العشرة الأخيرة، ما يشكل خطوة إضافية قد تكون نوعية لكن ضمن النظام ومن دون حدوث مشهد أمني مقلق».

انتفاضات تكسر كل التخطيطات
وعما إذا كانت هذه الانتفاضات «تطبخ» على نار هادئة منذ أعوام من قبل المخططين الإستراتيجيين، قال سالم: «لا البتة، فمن كان يمكن أن يخطط إستراتيجيا كان يخطط لعكس ما يحدث تماما، أي لإبقاء الأنظمة على حالها، وهي كانت موجودة منذ عقود وكانت تريح الغرب والنظام العالمي. الفورة غير مبرمجة حكما لا من الأنظمة ولا من داعميها لأن خساراتهم بالجملة وهي لا تحصى ولا تعدّ ومن غير المعروف أين ستنتهي هذه الهزات الكبرى. لا أعتقد أن وثائق «ويكيليكس» قد لعبت دورا كبيرا لكن من الممكن أن بعض المعلومات ساهمت في تحريك بعض الشباب في تونس مما خلق في ما بعد حالة «الدومينو»، لكن التفسير المنطقي أن الاحتقان الذي كان موجودا في العالم العربي بسبب الكبت السياسي والوضع الاقتصادي والاجتماعي والخلل الصارخ في توزيع الثروة في تونس ومصر كما مستويات الفساد الفاضحة والقمع السياسي والمخابراتي، هذه العوامل كلها شكلت بركانا وكان السؤال الدائم لم لا ينفجر؟ كما حدث في مجتمعات العالم أجمع من أميركا اللاتينية الى آسيا فالصين حيث سارت الشعوب كلها، وفي النهاية سارت الشعوب العربية، واختيارها لهذه اللحظة ليس إلا صدفة من صدف التاريخ بعد تحرك شخص في تونس وتضامن الآلاف ثم الملايين معه وبوجود الإعلام العابر للحدود صار الأمر معمما من المغرب الى اليمن، الى الفايسبوك والإنترنت التي مكنت المواطن من تنظيم نفسه بلا قيادة حزب أو زعيم أو جيش.. كل هذه العوامل الى فتيل محمد بو عزيزي فجرت البركان الذي كان سينفجر عاجلا أم آجلا».

تراجع لا يقابله رابح
وعن المقاربة الدبلوماسية الأميركية والأوروبية لهذه الانتفاضات الشبابية العربية يقول سالم «إن الدول الأوروبية كما الولايات المتحدة كانوا متفاجئين ومصدومين مما حصل، لم تكن لدى هذه الدول سياسة مسبقة للتعاطي مع هذا الأمر الواقع الجديد فاضطرت أن تطوّر سياسات طارئة وقد رأينا نموذجا عن ذلك في حالة مصر وموقف الولايات المتحدة مما جرى ويجري. إن عوامل التعاطي الأوروبي والأميركي مع ما يحصل في العالم العربي له مداخل عدة: مصر مثلا أطلقت همّ إسرائيل لدى أميركا، قبل ان يعرف الأميركيون عوامل هذه الثورة خافوا أن تكون في اتجاه الإسلام السياسي وقد تؤثر مباشرة على معاهدة السلام مع إسرائيل، ولكن بعد أن تبين إمساك الجيش بزمام الأمور وخصوصا في المرحلة الانتقالية، وأن الثورات هي شعبية تطالب بالديموقراطية وحقوق الإنسان ولا تحمل في سلم أولوياتها الشأن الإقليمي أو الدولي، اطمأنت أميركا أن موضوع مصر لن يؤثر مباشرة على عملية السلام، وانها ثورة متطرفة بمطالبها الديموقراطية المحقة ولكن لا تتخذ مواقف كبرى في السياسة الخارجية وليست مع إيران ضد دول أخرى، والأمر سيان في الموضوع التونسي على الرغم من أن تونس ليست معنية بإسرائيل».
عمليا يضيف سالم «انخفض قليلا منسوب صدمة وقلق أوروبا والولايات المتحدة بعد أن اطمأنتا الى أن الشعوب تقود ثورات ديموقراطية تشبه عمليا القيم السياسية الغربية أكثر ما تشبه خصوم الغرب كإيران مثلا».


في الموضوع الليبي، يقول سالم «يطغى الهم النفطي كي لا تنقطع ليبيا طويلا عن الأسواق العالمية، وثمة خوف من أن يقدم معمّر القذافي على حرق آبار النفط كما فعل صدام حسين في الكويت، الهم الثاني أوروبي، ففي حال تشرذم ليبيا ودخولها في حالة الدولة الفاشلة بنموذج أفغاني او عراقي او صومالي فإن هذا الأمر يشكل خطرا كبيرا على أوروبا من هجرة الليبيين وخطورة دخول تنظيم «القاعدة» على الخط كما في العراق. في البحرين الهم يتعلق بالخوف من أن يعزز التحرك الشعبي النفوذ الإيراني وأن يهدد وجود الأسطول الأميركي الخامس في البحرين، ومبدئيا ليس هذا هو الواقع اليوم، لا إيران تتدخل بالموضوع البحريني ولا يوجد تهديد للقاعدة الأميركية في البحرين، ولكن بشكل عام لا شك أن الولايات المتحدة تكبدت صدمة وانتكاسة بنفوذها الإقليمي، لكن في الوقت عينه لا يوجد طرف آخر يكسب من هذه الخسارة، في زمن الحرب الباردة مثلا كانت أميركا عندما تخسر حليفا، يتوجه صوب الإتحاد السوفياتي، بينما اليوم من يبتعد قليلا عن أميركا، كما مصر وتونس قد يصل الى موقف شبيه بالموقف التركي، فيبقى على تحالفه مع الغرب، وبالتالي لا تزال الولايات المتحدة تحظى بالدور الكبير في النظام العالمي في الشرق الأوسط، ولا تزال أدوار روسيا والصين محدودة، وكذلك إيران».


لا عملية سلام
وكيف ستؤثر هذه الانتفاضات على عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يقول سالم: «أثرت هذه الانتفاضات بالتأكيد على عملية السلام، فقد استنتج الفلسطينيون أولا من «الفيتو» الأميركي في موضوع المستوطنات ومع التغيرات الاجتماعية والسياسية، أن عملية السلام معلقة حاليا. يهتم الفلسطينيون اليوم بأمرين موضوع إعلان الدولة الفلسطينية التي بدأ الاعتراف بها من قبل دول أميركا اللاتينية، ما وضع الولايات المتحدة في موقع حرج، وثانيا موضوع الانتخابات الفلسطينية التي أعلنت في أيلول القادم مبدئيا، أي الاهتمام بإعادة تكوين الشرعية الفلسطينية ولو في الضفة الغربية فحسب. بالنسبة الى غزة فإن وضعها سيتغير تدريجيا لأن اية حكومة مصرية لن تؤيد إسرائيل في موضوع الحصار، كما أن توسع نفوذ الإخوان المسلمين في مصر هو حتما إيجابي بالنسبة الى حركة «حماس»، فضلا عن أن التفاوض حول حكومة وحدة وطنية بين «فتح» و«حماس» يعني حكما تعليق التفاوض مع إسرائيل. إذن دخلنا في مرحلة لا توجد فيها عملية سلام، وصلت سياسة إسرائيل منذ أيام «كامب دايفيد» الى طريق مسدود ولا أعتقد أن أحدا في الوقت الحاضر لديه سيناريو للمخرج».