التاريخ: آذار ٢, ٢٠١١
المصدر: جريدة الحياة
 
الدستور بعد «25 يناير» من التعديل إلى التغيير - عمار علي حسن

قبل «ثورة 25 يناير» لم يكن معظم مطالب المصريين حول الإصلاح الدستوري يتعدى إعادة صوغ المادة 76 من الدستور بما ييسر شروط الترشح لرئاسة الجمهورية والمادة 77 التي كانت تفتح الطريق أمام رئيس الجمهورية للبقاء في منصبه إلى أن يلاقي ربه. كانت هناك مطالبات جذرية تنادي بضرورة وضع دستور جديد، وعدم الاكتفاء بترقيع الدستور الحالي الذي تم وضعه عام 1971 وطرأت عليه تعديلات متقطعة جعلته أقرب إلى ثوب اتسع فيه الخرق على الراتق.


بينما كان الجدل يتواصل حول «التعديل» و»التغيير» قامت الثورة، وتم استخدام الدستور من بين الوسائل التي اتبعتها السلطة لمحاولة تطويق مطالب الثوار، إذ طرح الرئيس السابق حسني مبارك في خطاب الأول من شباط (فبراير) الفائت وعداً بتعديل المادتين المشار إليهما. وبناء عليه تم تشكيل لجنة للنظر في هذا الأمر اجتمعت بنائب الرئيس عمر سليمان ورأت ضرورة توسيع التعديلات لتشمل مواد أخرى ووافقت السلطة على رأي اللجنة، لكن هذا المسار انهار بتنحي مبارك وإسناده الأمر إلى المجلس العسكري الأعلى، الذي عطل العمل بالدستور.


لكن إدارة الحياة السياسية تطلبت العودة مرة أخرى إلى مناقشة تعديل بعض مواد الدستور المعطل لتفتح الباب أمام انتخابات برلمانية ورئاسية تقضي بتسليم السلطة إلى المدنيين وعودة العسكر إلى ثكناتهم، كما يؤكدون حتى الآن. وشكل المجلس لجنة من فقهاء قانونيين بارزين برئاسة المستشار طارق البشري، عكفت على تعديل مواد دستورية عدة ثم خرجت بما انتهت إليه في شكل صياغات تم تسليمها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأعلنت للرأي العام، ليبدأ جدل جديد، تباينت فيه الآراء، قبل طرحها للاستفتاء العام في نيسان (أبريل) المقبل.


وهناك من رأى أن هذه التعديلات تنطوي على إيجابيات واضحة، قياساً إلى ما كانت عليها الحال قبل الثورة، وهناك من رأى عكس ذلك، انطلاقاً من أن هذه التعديلات تحمل في طياتها بعض ما يفسد إيجابياتها، وفق ما يرى الفقيه الدستوري إبراهيم درويش. ومن ذلك عدم نص التعديلات على تكوين مفوضية عليا دائمة لانتخابات الرئاسة ومجلسي الشعب والشورى. ومنها أيضاًً اعتوار المادة ٨٨، التي تعطي القضاء حق الإشراف على الانتخابات، بقصور يتمثل في منح سلطة الإشراف والفرز لأعضاء من الهيئات القضائية التي يحكمها قانون وضعه وزير العدل الحالي ممدوح مرعي بغية إعطاء السلطة التنفيذية فرصة ملموسة للتدخل في عمل القضاء. ومن بين هذه الهيئات النيابة الإدارية التي هي جهة تحقيق مع الموظف، وهيئة قضايا الدولة التي تتولى الدفاع عن الحكومة في القضايا المقامة ضدها.


وأعطى تعديل المادة 93 المحكمة الدستورية العليا مهمة النظر في الطعون في نتائج الانتخابات، وهذا قد يكون فوق طاقتها إن لم يتم النص على استعانتها بقضاة آخرين. فأعضاء المحكمة هم 17 بينما تشهد الانتخابات البرلمانية المصرية تقديم مئات الطعون. علاوة على ذلك فإن إسناد هذه المهمة إلى المحكمة الدستورية العليا قد يؤثر سلباً في مهمتها الأصلية المتمثلة في تقييم المواد والقوانين التي تعرض عليها من مجلس الشعب. وكان يمكن إسناد النظر في الطعون إلى محكمة النقض. وكان من الممكن أيضاً أن يتحسن تعديل المادة 139 المتعلقة باختيار رئيس الجمهورية لنائبه، لينتقل من «تعيين» النائب إلى انتخابه مع الرئيس في بطاقة واحدة، على غرار ما يتم في النموذج الأميركي.


ورغم أن أحد المطالب الأساسية للثورة إلغاء قانون الطوارئ الذي طبق طيلة فترة حكم مبارك فإن المادة 148 لم تلغ، مع أن قانون العقوبات ينطوي على عقوبات رادعة وكافية. كما أن الإبقاء على مجلس الشورى، وهو الغرفة الثانية في البرلمان المصري، لا طائل منه، لأن رئيس الجمهورية يعين ثلثه، ولأن اختصاصاته محدودة.


كان يمكن اللجنة أن تحاول فور تشكيلها، أن تفتح نقاشاً مع المجلس العسكري الأعلى حول ضرورة سن دستور جديد، وتوضح له أن ترقيع الدستور القديم لم يعد كافياً، لاسيما أنه ينطوي على 39 مادة تعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، وتجعل بوسعه أن ينقض فور انتخابه لاحقاً على مكتسبات الثورة، ويعيد البلاد إلى نقطة الصفر. وكان بوسع اللجنة أن تستند في موقفها هذا إلى ما فرضته الشرعية الثورية. وعلى رغم أن التعديلات الأخيرة نصت على مادة تفرض ضرورة وضع دستور جديد عقب الانتخابات البرلمانية، فإن هذه الانتخابات ستجرى وفق التعديلات تلك، وسيناط بالبرلمان في حزيران (يونيو) المقبل أن ينتخب الجمعية التأسيسية التي ستسن الدستور الجديد. ومن المتوقع ألا يعبر هذا البرلمان عن الحالة والقوى السياسية التي خلقتها الثورة، لأن المجلس العسكري لا يرغب في إنشاء أحزاب جديدة قبل الانتخابات. وبناء على هذا لا يتوقع أن يأتي الدستور الذي طال انتظاره معبراً عن أشواق المصريين إلى الحرية والعدالة والكفاية.


يبقى الخيار الأفضل في هذه الحالة هو احتفاظ الثورة بقوة دفعها وتنامي قدرتها على إنتاج موجات جديدة تخلق ضغطاً متصاعداً على السلطة وتجبرها على تقديم تنازلات أخرى، على رأسها تكوين مجلس رئاسي من عسكري واثنين من المدنيين، تتم بعده حرية إطلاق الأحزاب السياسية، وتأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة عام أو اثنين حتى تقوى الأحزاب الجديدة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني قوامها تكنوقراط مستقلون.

* كاتب مصري